نظرية العدالة الاجتماعية في التشريع المالي الإسلامي
هذا وصف مقتضب للشكل العام لأطروحتي للدكتوراه مع عرض بعض الأفكار الواردة فيها، على أمل أن ييسر الله تعالى لي طباعتها:
يهدف البحث إلى الكشف عن النظرية الفقهية القانونية للعدالة الاجتماعية في التشريع المالي الإسلامي، وبيان مقوّماتها التصورية ومقاصدها الكلية، واستقراء آلياتها في مختلف أبواب التشريع المالي، ومقارنتها مع أهم النظريات الوضعية، وعليه؛ جاء البحث في أربعة فصول يتقدمها فصل تمهيدي لبيان خطة البحث ومنهجه، وخُصّص الفصل الأول لتحليل المقوّمات المفهومية والفلسفية للعدالة الاجتماعية في التشريع الإسلامي، مع المقارنة بالنظريات الوضعية، أما الفصل الثاني فعرض الآليات الاقتصادية التي تضبط جدلية الكفاءة والعدالة، وتحقق التوازن بين رأس المال والعمل، مع بيان العلاقة التحليلية بإشكالية سوء توزيع الثروة في العالم، والفصل الثالث كان لبيان دور السياسة المالية الشرعية في تحقيق دولة الرفاه متوازنة الأبعاد، وبيَّن الفصل الرابع الآليات المجتمعية والأسرية وموقعها من تحقيق العدالة الاجتماعية وفق التصور الإسلامي، وانتهج الباحث جملة من المناهج المعيارية والاستنباطية والوصفية، مركزا على منهج التحليل المآلي ومنهج Legal impact analysis، وخلص البحث إلى نتائج عديدة تضبط الهندسة الاجتماعية والاقتصادية للأمة وفق الرؤية الكونية المتوازنة لمنهج التشريع الرباني.
ومصطلح “العدالة الاجتماعية” مفهوم مركّب يَقصد إلى وضع مبادئ ومعايير أنموذجية تضبط الطريقة التي تتوزع بها المنافع والأعباء على أفراد المجتمع ومجموعاته وفق التصور الفلسفي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتبناه ذلك المجتمع ونظامه السياسي. وسياسات العدالة الاجتماعية ليست أنماطًا توزيعية اعتباطية، وإنما هي أداوت للهندسة الاجتماعية تعمل على ضبط شكل الأسرة، ورسم علاقةٍ خاصة بين المجتمع والسوق، والدولة والمجتمع، ويقدّم التشريع المالي الإسلامي نظرية متماسكة تحقق مقصد العدالة الاجتماعية بمنهجية شاملة متوازنة، وتجيب عن أهم الإشكالات المستعصية في المجال الفلسفي والقانوني للعدالة الاجتماعية، وتعرِض نظرتُه الكونية صيغةً توافقية بين مبدأي الحرية والمساوة، والحق الخاص والخير العام، وتجيب فلسفتُه الأخلاقية عن جدلية الكفاءة والعدالة، وإشكالية حافز العمل والاستثمار، وتضبط أحكامُه في المعاملات ميزان العدل بين رأس المال والعمل، وتعمل قواعدُه في السياسة الشرعية على حماية ثروة المجتمع وضمان تكافؤ الفرص بين أفراده، وتقود توجيهاتُه المجتمعَ إلى التآزر والتعاون بما يحفظ دوام حيويته التكافلية، ويخفّف من فاتورة الإنفاق العام، ويضطلع نظامُه المالي في الأسرة بالحفاظ على دفء الأسرة وترابطها وتماسكها.
وقد تعرض البحث إلى نقد مستفيض للمنظومات الوضعية التي تتسم بالاضطراب الشديد على مستوى التنظير، وبالقدرة العالية على إخفاء الكوارث الاجتماعية والنفسية والبيئية على مستوى التطبيق، للهوس الشديد بالرفاه المادي والنمو الاقتصادي على حساب الرفاه الاجتماعي والإنساني والنفسي، ولتركيزها على العدالة الاجتماعية القومية على حساب العدالة الاجتماعية الدولية في ظل نظام اقتصادي وسياسي عالمي مليء بالفجوات الفاحشة لصالح الدول المهيمنة، مستعينين على هذا النقد بمئات الأبحاث الاقتصادية والإحصائية المتخصصة، وهذه المنظومات الوضعية هي التي تحكم دول المسلمين الآن بعد تجرديها من أدوات القوة المادية.
وخرج البحث بعدة توصيات منها:
– نوصي بترسيخ اعتبار مقصد “العدالة الاجتماعية” مقصدا شرعيا كليا، ليصبح جزءا أصيلا في أبحاث مقاصد الشريعة الإسلامية، يعطي لها حيويتها وفاعليتها المعاصرة، وليرفع بالأبحاث الشرعية في مختلف أبواب الفقه الإسلامي إلى مستوى عال من التفاعل المباشر مع الإشكالات الإنسانية المعاصرة.
– نوصي بأن تهتم البحوث الشرعية أكثر بمنهج النظريات القانونية، وبالمنهج النقدي المقارن مع النظريات القانونية الوضعية المهيمنة على حياة المسلمين المعاصرة، وبالموضوعات الاجتماعية المركبة، والتي تمثل رأس الحربة في التدافع الثقافي العالمي، وخاصة دراسة الأسس الفلسفية للنظرة الإسلامية لسعادة المجتمع والفرد، ومقاصد الأحكام الشرعية الحاكمة للعلاقات الاجتماعية وبنية الأسرة ونظام السوق والدولة.
– نوصي المتخصصين في العلوم الاجتماعية المختلفة بمزيد من العمق في فهم فلسفة الإسلام في الإنسان والمجتمع، والتخفف من التقليد واجترار مقولاتٍ نشأت تحت رؤية كونية مختلفة عن التصور الإسلامي، وبمزيد من الإبداع في وضع نظريات تفسيرية أصيلة للواقع الاجتماعي والاقتصادي تحت تلك المظلة التصورية الربانية السامقة.
هذه خلاصة مقتضبة لبعض الأفكار الواردة في البحث، وقد كان البحث في حوالي 400 صفحة، معتمدا على مئات المصادر والأبحاث والتقارير باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، ونسأل الله تعالى أن يكون لهذه الدراسة دور فعال في ميدان التدافع الفكري العالمي المحتدم!
تحياتي
د. أبو نصر شخار