الطفولة في أهازيجنا التراثية
إن الأدب الأمازيغي لمنطقة مزاب خصوصا القديم منه، غني بما يستدعي دراسته والبحث فيه لأجل الكشف عن كنهه، ومن حق أبنائه التعرف عليه قبل غيرهم، كالأهازيج التراثية (إيزلوان) التي كانت تؤدّى في مناسبات مختلفة (الميلاد، الختان، السفر لأول مرة أو العودة منه.. إلخ)، وقد اندثر الكثير منها بسبب الشفوية، وعدم تدوينها.
إنّ المتأمل لهذه الأهازيج يستشف مدى إرتباط المجتمع بتراثه وإهتمامه البليغ من خلالها بشريحة الطفولة والشباب واعتبارها ركيزته في جل مناسبات الأفراح وللطفولة فيها نصيب.
ومن تلك الأهازيج، أهزوجة آنوجي (في استقبال المولود الجديد)، واكرض امزور (خاصة بالطفل المختون)، وهي في الحقيقة تساهم في الحفاظ على الذاكرة وبعض العادات والتقاليد التي يمكن أن نعتبرها سننا حميدة في حين هناك بعض الدعوات الشعواء لطمسها.
وانوجي ، ⴰⵏⵓⵊⵉ ، ، ،anijiw، ⴰⵏⵊⵉⵡ، و انيجيو،anuji, وتجمع على، اينوجا، ⵉⵏⵓⵊⴰ، inuja, اينيجيون , ⵉⵏⵉⵊⵉⵡⵏ inijiwen واينبڨاون، ⵉⵏⴱⴳⴰⵡⵏ , اينبڨي, inebgi ⵉⵏⴻⴱⴳⵉ في بعض التنوعات الأمازيغية، تعني الضيف، (1)
كان يتغنى بها كما سلف الذكر في استقبال المولود الجديد، كأنه ضيف قادم للعائلة، وكانت تؤدى من طرف النسوة، يستدعين وغالبا ما يكن من الأقارب، وقد يسأل سائل لماذا يتم التغنى بها فقط للمولود الذكر؟ ربما لاعتباره السند المُعّٓول عليه مستقبلا في حماية الأسرة وخدمتها، وهذه الأهزوجة تصف مراحل حياة الإنسان المزابي منذ لحظة ميلاده، ثم صباه مرورا بشبابه وكهولته، وتحمل في طياتها رسائل مختلفة تحث على الأمل في الحياة، باعتبار الإبن نعمة من الله وقرة لوالديه، والاهتمام بتربيته وغرس فيه القيم الاجتماعية التي تجعل منه عضوا فعالا في مجتمعه بالنفخ فيه روح العمل والجد والكسب الحلال والتكافل والتضامن.
ما قيل في انوجي يقال في أهزوجة “أكْرَضْ أمْزُورْ” التي من معانيها قد تكون تسريحة شعر يتميز بها الطفل الصغير (2) بلباسه القشيب الغالب عليه اللون الأبيض والأحمر وهذه الأهزوجة يدل مطلعها ومعانيها على احتمال أنها ضاربة في القدم، منذ عهد ديانة نبي الله عيسى عليه السلام كما هو واضح فيها ذكره، ولا زالت تؤدى إلى اليوم في مناسبات الختان، وغالبا من طرف قريباته.
لا يقتصر ذكر الطفل في الأهازيج بل يكون زينة الجلسات الترفيهية ومسامرات الأنس، مثل عادة “ألاَّوَنْ” (3) التي تنتشر بقسط وفير في الوسط النِّسوي، وهي ما يشبه “البوقالات” في الجزائر عند العاصميات، ويقوم بها غالبا من حنّكته التجارب من المُسنّين لدرايته للأحداث والوقائع بغرض الاعتبار (4).
وقد وردت ألفاظا في تلك الأهازيج كصفة مضافة لأنوجي وأمزور، مثل إيمرود اوورغ، وابغور.
لكن هل طرحنا تساؤلا !؟ ما علاقة ايمرود وابغور بالطفل!؟؟ للإجابة على السؤال لابد من شرح دلالتهما!!؟
دلالة امرود اللغوية
هناك (ايمرود اوجباد) وهو أداة من أدوات جلب الماء من البئر و (ايمرود نوسينجل)؟؟ أي المكحل، أداة لتكحيل العين.
هل يقصد به في المعنى الأول رمز العمل والكد في الحياة!؟
أم المعنى الثاني أداة لتكحيل العين والتي قد تعني ربما قرة العين!
كما ذكرنا سلفا أن مثل هذه الأهازيج تغنى فقط للولد، في حين قد نجد هناك هدهدات خاصة بالأنثى، أين تناغيها أمها وتهدهدها بها قبل خلودها إلى النوم ونفس الشيء يقال في الطفل، فهو بدوره ينشأ في مثل هذه الأجواء الحميمية داخل العش العائلي والمحيط الاجتماعي إلى أن يشتد عوده راسما في خلده تلك التصورات والأفكار التي تنعكس على تصرفاته وسلوكياته سواء شعر بها أو لم يشعر.
ومن الكلمات التي وردت في الأهازيج القديمة في سياق تبجيل الطفل، لفظة ابغور _ⴰⴱⵖⵓⵔ_ Abɣur، و تابغورت، ⵜⴰⴱⵖⵓⵔⵜ , tabɣurt , للأنثى بمعنى الطفل الذي بلغ سن الفتوة أو الفتى الذي تجاوز مرحلة الطفولة، النافع لعائلته، خادمها، الأمير الأنيق والأميرة الجميلة، وتتوسع دلالتها إلى المنفعة، الثمرة، الثروة، البركة الغنى، المبارك، الصالح، حسب ما استقيناه من عدة معاجم أمازيغية.
كما أن هناك أهازيجا وردت فيها لفظة ايژيو/ تايژيوت، أي الفتى/ الفتاة، منها ما هو من الهدهدات تغنيها الأم لولدها وتبث فيه رسائل ذات قيم اجتماعية منها أهزوجة أغلان التي تستهل بالصلاة على النبي وتحكي عن حب الأرض والتشبث بها رغم كل الظروف، من جفاف وندرة للماء ودعوة للحفاظ على مياه الأمطار التي تصنع البهجة أثناء قدومها واستقبال الأودية، والبيئة النقية بنسماتها العليلة، كما نجد أيضا تحفيز الأطفال على العلم أو تسبيل أحد الأبناء إلى التعليم القرآني، وإلى تنسم عبق الأجداد والاعتداد بهم والإشادة بإرثهم واللحمة بين أبناء الوطن الواحد والتحذير من مغبة السقوط في مكائد العدو وإثارة الفتن والوقوف ضدها لصدها:
لا إله إلا الله ، ول يطّيس ول ينّودّم ربّي،
وصلاة على النبي محمد حبيبي جبريّه
…..ا……
امي وفيغ غل ربّي مي اداروغ سمّس ءيزيون
اتنّدجغ تامجّـــيدا ادعزمن لّايــــات نـ لقُرآن
امي وفيغ غل ربّي تميضا تغالّين تّيملاّلين
ادسّنـغ ات عمّي ، وي يتّطّد د وي لمدن آوال.
المعنى: توحيد الله عزّ وجلّ وذكره على أنه حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، (ترجمة واضحة لمستهل آية الكرسي) والصلاة و السلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والروح القدس جبريل عليه السلام، ثم التعريج على أسماء قصور وادي مزاب السبعة وأسماء بعض أوديتها وقصر وارجلان وإبراز أهميتها في أصالتها وشهامتها والتماسك والوحدة، وتنشئة الأطفال على المحجة السمحة وروح التكافل والتضامن وصون الأمانة وما تنجزه السواعد من خيرات.
يوسف لعساكر
- (1) محمد شفيق ، المعجم العربي الأمازيغي، أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة معاجم، 1989، ج1، ص 725.
- (2) يوسف بن يحيى الواهج ، اِلسنغ “لساننا “، دليل الباحث في أقراص، ط 2010، ص 14.
- (3) عبد الوهاب فخار ، ئمطاون ئزوﭭـاغن، م ط الفنون الجميلة ، العطف، الجزائر ، 1990، ص29.
- (4)يوسف لعساكر يدوران نتسكلا ، انثولوجيا الادب المزابي،مديرية الثقافة لولاية غرداية، 2011.ص 07 .