المرأةواحة المعرفة

ندوة المرأة بين إنصاف الشرع وتعدي العرف

ندوة المرأة بين إنصاف الشرع وتعدي العرف
الموضوع: تقرير شامل حول الندوة
التاريخ: 11 مارس 2020
الزمان: من: 13:21 إلى: 15:17
المكان: مكتبة المسجد العتيق بشارع طنجة
الأستاذ المحاضر: الدكتور: صالح بن بشير بوشلاغم
إعداد وتحرير: الطالبة: فلة داود


مدخل عام..

قبل أيام، وفي آخر يوم لي خارج المنزل قبل البدء في الحجر الصحي الاضطراري بسبب الكوفيد 19، حظيت بحضور جلسة علمية تبادلية مع مجموع من الطلبة والطالبات من مختلف التخصصات والذين يشغلهم موضوع المرأة _مسارها وحراكها_ حتى لو اختلفت الدوافع والمبررات، ولأهمية الموضوع بالنسبة لي على مستويين، المستوى الأول كوني امرأة ولي في الأمر تجارب ورؤى، والمستوى الثاني كوني ألتمس في هذا الموضوع بالذات خصوصا دون غيره من المواضيع الكثير من الزلل واللبس ومظاهر ذلك عديدة وجلية لا تخفى… من جهة، ولدقة المحتوى والطرح ومحاولة المحاضر بناء قاعدة منطقية وعلمية خلال مداخلته.

جاءت وتكونت رغبتي الشديدة الملحة في مشاركة تقرير يبرز أهم الأفكار والملاحظات وما فاض إليه النقاش والتداول في موضوع شائك حساس كان ولازال محط تضارب الوجهات والآراء.. إيمانا مني بأنه قد يسهم ولو قليلا في الإثراء والإفادة وتغيير بعض الرؤى أو على الأقل الانطلاق في ذلك وبناء معطيات الموضوع من جديد على علم وبينة، ولقد تعمدت التركيز على فترة المداخلة دون النقاش كون الأولى أهم في نظري هذه المرة وبالإمكان الاستغناء عن الثانية ولئلا يكون المقال طويلا فقد امتدت فترة الأسئلة إلى قرابة الساعتين من الزمن، وأيضا ركزت على ذكر الأحكام ومصطلحات التخصص كما هي في أغلب المواطن وركبت وألفت فيما سواها، للحفاظ على المعنى والسياق خصوصا أنني مجرد ناقلة ومرتبة لا غير، فالتخصص ليس تخصصي ولا المجال مجالي.

كانت الجلسة بين يدي الدكتور الفاضل: صالح بوشلاغم وبتنشيط من أحد الأساتذة الأكارم..، والذي شرع الجلسة بتقديم سيرة ذاتية للمحاضر فالأستاذ متخصص وحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال أصول الفقه من الجامعة الإسلامية بماليزيا، وحاليا محاضر بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان.


عنوان الندوة، بيان وإثراء..

شكل عنوان الندوة استغراب الكثير وتساؤله وحتى استيائه في مواقع التواصل الاجتماعي بعد الإعلان عن موضوع الندوة… لاسيما في الشطر الثاني منه، فلماذا التعدي ؟ من المتعدي؟ ومن المتعدى عليه؟ ولم الصفة بالذات؟
ولإزالة اللبس الواقع أبرز المحاضر عدة نقاط، أذكرها آتيا، موضحا أن التسرع كان السبب المتوقع في الفهم المغلوط لمراد العنوان:

العنوان لا يركز على مجتمع بعينه، وإنما يتحدث عن الشرع مطلقا، وعن العرف مطلقا وعن المرأة مطلقة دون قيد، والأجزاء الفرعية التي سيتم تناولها تتمحور حول كيفية نظر الشرع إلى المرأة وإن كانت هناك اختلافات من جهة، وتعامل العرف معها من جهة ثانية.

لا تتمثل أهمية الموضوع في قضية المرأة وفقط، وإنما يفيد معرفة وفهم العلاقة بين العرف والشرع في كثير من المسائل والتصورات الشرعية، ويعيننا ذلك على فهم ماهية كل منهما وكيف يستمد الشرع من العرف وكيف يستند هذا الأخير إلى الشرع، فهناك علاقة تكاملية وعلاقة تأثر وتأثير، فالشريعة تعتبر العرف وتراعيه ما كانت قواعده قائمة، والعرف يلتزم بالشريعة، ولتحديد موقعنا من كل ذلك وفهم الأمر على علم وبينة واقتناع.

وتتمثل الأهمية أيضا في أن الجهل بالأمر قد يترتب عنه بأن ننسب للشرع ما ليس فيه وندافع عن أمر لا أساس له ولا قاعدة، أو أن نقول بأن الله قال كذا وكذا وهو افتراء وظلم حيث لم يقل ذلك، بل كان فهم الشيء قاصر وغير مستند، أو أن نبني أقوالنا وأحكامنا على أساس العرف فنقول أن العرف هو من قال ذلك في حين أن العرف معتبر أيضا في الشرع.
اعتبار عرف ما دليلا شرعيا لا يعني بأن كل الأعراف معتبرة شرعا وصحيحة دليلا، فقد يتوقف الشرع أمام أحدها فيهدمها ويلغيها ما لم تراعي قواعده، لذا فهنا تتجلى أهمية الفهم الصحيح لكل هذه الدلالات، فأي خلط بينها قد يؤدي بنا إلى الكذب على الله.

الشرع والعرف.. مفاهيم وإيضاحات…

ما هو الشرع أساسا، ما هو العرف وكيف هي تمظهراته، ما صفة ونوع العلاقة بينهما، وما هو الثابت وما هو المتغير في القضية، ولم يجب مراعاة ذلك في المسائل الشرعية… ، وكيف يعتبر العرف مصدرا للتشريع في الفقه أو القانون وما الأساس الذي بُني عليه ذلك.


الشرع:

الشرع هي الشريعة وهي ما تعلق بالتشريع الذي يقره الشارع والذي هو الله وحده، ولا نقصد بالشريعة الفقه، ذلك أن الفقه تلق للنص واجتهاد من طرف الفقيه وكل وكيف يفهم الخطاب، وهذا بعينه الفرق بين النص والفقه، إذن المقصود من الشرع هو الوحي والقرآن أولا ثم ما توافق معه من السنة ثانيا، ولا يقصد منه الفقه وتراثه.
كل ما قد يعارض الوحي لا يمكن اعتماده معيارا نحتكم ونرجع إليه.

صفة الشرع العدل الذي هو الإنصاف والنص القرآني عادل لا يشوبه نقص، في حال ما سلمنا بحكمته نتاجا عن تسليم سابق متمثل في أن صاحبه هو الله ومن صفاته الواجبة الحكمة والحكيم لا يقول إلا ما هو حكيم، أما في حال قررنا عدم التسليم بذلك عدنا إلى نقاش وبيان صحة القرآن الكريم وهذا موضوع آخر، أما بناؤنا الآن حول الموضوع فيكون منطلقه أن القرآن الكريم كله حكمة وعدل ولا نشك في ذلك، وتثبيت قاعدة كهذه مهم لتناول الموضوع على ضوئها.

الحكم على حكمة أمر دون معرفة ماهيتها لا يعتبر مجانبا للصواب إذا كنت تجزم بالسبق أن مصدر الحكم مصدر حكمة أيضا، وهذا المسلك سيجعلنا نقف أمام نصوص ثابتة لا تتبدل.

إذا كان النص ثابت فهو يقبل الاجتهاد في أحوال ويرفضه في أحوال، فهو لا يقبله إن كان في ذلك تغيير للمعنى أو تأويل غير صائب أو اجتثاث عن السياق، ويقبله إن كان فيه اجتهاد لتحقيق مناطه أي تحقيق ما قد جاء لأجله الحكم واقعا، فنبحث عن وجود المناط ونسعى للتحقيق.

تحقيق مناط الحكم يتطلب التعليل أي إنزاله يستلزم معرفة العلة، فإذا عللنا الحكم نظرنا هل العلة موجودة أم لا… ، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإن وُجدت وُجد الحكم وإن غابت غاب.

في ثبوت النص حكمة وراءه وقد يخسر الإنسان كثيرا ليعي المعنى في غياب توجيه الله في بعض المسائل، ولو نلاحظ سنجد أن اهتمام القرآن كان كبيرا وملحوظا في قضايا الأسرة والمجتمع كون شأنهما صعب التغيير وللأعراف دخل كبير، بينما في السياسة مثلا فنجده ذاكرا لبعض القيم وفقط ولم يشر إلى نماذج وأنظمة سياسية، ولم يكن التغيير في أعراف المجتمعات يسيرا فأتى في ذلك نصا ثابتا، فالقرآن يركز النظر على الأحكام المطلقة في الزمن، الأحكام التي لا تتغير فيقوم بتثبيتها، ولأن المجتمعات متغيرة والأنظمة الاجتماعية حساسة إلى حد كبير.


العرف:

يعرّف العرف على أنه دليل من الأدلة الأصولية وأنه مصدر من مصادر التشريع، وقد جعله كذلك كونه يحقق مصالح الناس ويجلب المنفعة لهم، وينشأ ويتطور ويتعارف عليه الناس بعد حدوث إشكال واقتراح حل وبالتجريب ومرور أزمنة على ذلك يصبح المقترح عرفا يلجأ الناس إليه، ووجود عرف لا يتعارض والشريعة فإن هذه الأخيرة تعترف وتقر به.
أساس العرف وركيزته الأولى المصلحة، فأينما كانت المصلحة تعارف الناس واتفقوا، والمصلحة معتبرة شرعا، المصلحة المحققة للنفع والخير، وأينما حقق العرف مصلحة تُحقق حكمة ما توافق الشرع معها.
إذا كان في العرف مفسدة رفضه الشرع، وإلا تضارب وتناقض فيما بينه وهذا مما يستحيل ولا يستقيم، فلا يجوز للعرف أن يخالف النص وهذا أول شرط، فلا يعقل أن تنص الشريعة على أحكام بغية تحقيق أهداف وفي نفس الوقت تقر أعرافا مناقضة لها.

الأصل في العرف المصلحة وقناعة الناس بذلك، فبين القناعة والتمسك بالعرف اطراد، وإذا تمسكوا بعرف لا يحقق منفعة معينة لجهل فيتجذر ويستمر، وقد يفشل حتى القانون أمام العرف، لأن الناس يبذلون كل ما في وسعهم للتمسك بالعرف حال اقتنعوا به بعلم أو جهل، ولكن القاعدة في الأعراف تتغير كون السياقات الحضارية تتبدل، وابتلاء الشريعة يكمن هنا بالضبط.

تعامل الناس مع العرف ثلاث مراتب وهي:

  • هناك من يتمسك بالعرف كأنه نص فلا يقبل أي تغيير فيه فيجعله بمنزلة الثابت في القرآن ، ويتمثل الإشكال هنا في الاافتراء على الله، فالعرف يتغير والناس تنسبه إلى الله وبهذا تقع مفاسد باسم الله وباسم الشريعة.
  • هناك من الناس من لا يعتبر العرف شيئا ولا يهمه إطلاقا، وهذا الصنف سيقع في خطر فقدان الهوية كون العرف من أهم خصائص ومظاهر الهوية، وتشريعيا فسيكون الشرع منبث ومنفصم عن واقع الناس وهذا لن يسهم في تحقيق مناط أي نص.
  • وهناك من يقارب ويوازن، فيثبت ما ثبته النص وينظر ويعيد من مرحلة إلى أخرى في الأعراف الموجودة، وهذا هو المسلط المطلوب.

الأصل أن يتغير العرف بناء على دراسة وتخطيط وتنبؤ وقراءة للواقع واستشراف للمستقبل، لكن الحاصل وللأسف هو تغييرات جبرية حين تنتهي صلاحيات العرف ودون نظر في المفاسد المترتبة في استمراره من عدمه، وهنا ينفلت الواقع ويصبح التغيير ضرورة، ففي موضوع التعليم الجامعي للمرأة كان إلى عهد قريب مرفوض عرفيا، لكن لما وجد الناس مصلحتهم في ذلك اقتنعوا واتجهوا نحوه، واليوم طرح السؤال يعد مجلبة للمسخرة، فلو رجعنا للوراء قليلا وخططنا لحدوث ذلك لكان الأمر أفضل وأحسن ولوجدنا حلولا أكثر واقعية وفاعلية في مسألة الظروف المحيطة بتعليم المرأة مثلا، فأنشأنا أعرافا خادمة لذلك.


المرأة بين الشرع والعرف، ما الميزان؟


كيف هي النظرة الشرعية للمرأة وما الذي تعارف الناس عليه فيما يخصها، وهل توافق كل من الشرع والعرف في تعاطيهما مع مسألة المرأة.

يذهب الأستاذ المحاضر إلى أن الشرع في أصله لم بفرق بين الرجل والمرأة ففي كل الآيات التي تقيم فيها كل منهما تذكرهما بشكل متواز فتقول في بعض منها ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى…” وما إلى ذلك.

لكن من جهة ثانية فهناك بعض الفروقات الأصيلة، كون الشرع لا يرى إليهما ضمن الأسرة بالتساوي بل يرى للزواج كمؤسسة لها أحكام وصفات لذا للرجال على النساء درجة مفاضلة في الخلقة والإنفاق واتخاذ القرار، فلا يستقيم أن يكون للمؤسسة مديران ولهما نفس الصلاحيات فإن ذلك دافع للشقاق لا محالة ولا يستقيم أيضا أن تطالب المرأة بالطاعة ثم بالإنفاق، لكن يجب أن نفهم إلى جانب كل هذا بأنه:

  • لا توجد طاعة مطلقة في الشرع وكل طاعة هي مقيدة قطعا بالشرع والمصلحة وفي أي علاقة سواء الأب مع أبنائه، أم الزوجة مع زوجها والمحكوم مع حاكمه.
  • كل راع وكل مسؤول عمن يرعاه، لذا لا يحق المنع من دون تبرير أو التعدي مهما كان الأمر، وإلا اعتبر ذلك ظلما.
  • للرجل درجة لا يعني جواز الاستبداد بالرأي، فالقوامة في معناها الأعمق فهي تُعد مسؤولية أكثر منها تشريفا وليست بمعنى السلطة والتكبر والتجبر والوصاية.
  • في المنظور الشرعي، الولي هو شخص مشرف وموجه، يكون خالط الرجال وله معرفة بأحوالهم وشؤونهم، لكن لا يعني أن يجبر المرأة مثلا على اتخاذ قرار يخصها، في الدراسة أو الزواج مثلا، فهو مخول فقط أن يقترح ويبدي رأيه، فلو أجبرها على زواج دون رضاها فهو باطل أساسا كون إذن الولي لا يغني عن رضا المرأة، وفي تفاصيل المسألة آراء الجانب الفقهي.
  • في مسألة تحريم المباحات للمرأة من قبل الولي يعتبر ظلما، وعلى كل رجل يتبع عرفا سقيما ويجبر المرأة التي يتولاها دون تبرير ودون علم جور، والأعراف في ذلك كثيرة، أن يكون له تبرير وجواب حين يسأل.

ختاما، المرأة كيان مستقل لها نظرتها، خياراتها، ومنهجها، والولي ما هو إلا حلقة توجيهية ليس إلا، والأعراف متغيرة ومن الحكمة تدارسها وأخذ ما صفا منها وترك ما كدر، فمهما بقيت الأعراف المعتلة فستلغيها الفطرة ويفرض الواقع مآلات أخرى.

أغتنم الفرصة لشكر كل من قام برمجة وتخطيطا لأمثال هذه اللقاءات النيرة، وأرجو أن أكون قد أفدت ولو قليلا في طرح المحتوى بشكل جيد وفاتح لما يأتي من بحث قد يطول في المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى