شخصيات خالدة

رجل البصائر، الشيخ بكير بن محمد أرشوم

ما أعظمها من نعم حين ترفرف على ربوع وطننا أعلام يشعّ سنا نور عِلمها كسراج الشمس الوهاج ليضيء بصائر الخلق ويساعدها على الخروج من ظلمات الجهل إلى نور العلم، أعلام نذكرها بين اللحظة والأخرى لنبرز سيرتها ومسيرتها الروحية والوطنية لإبرازها كقدوات للتّأسّي بها، مبرزين بذكرهم قيم الطّموح وعلوّ الهمّة، ذاكرين أبرز تفاصيل حياتهم الاجتماعية والعلمية والاجتهادية ليستيقن الخلف أن لا مستحيل في أن يُصيّر أحدهم ربوته إلى جبل شامخ وعَلَمٍ.

شيخ فاضل، وعالم بارز، ولد ببريان سنة 1927م، توفي أبوه وهو ابن سنتين، فتولَّت أمُّه بِيَة بنت صالح لَعْسَاكر تربيته ورعايته، دخل المحضرة والمدرسة الرسمية للاستزادة بالمبادئ الأساسية للعلوم، وفي الحادية عشرة من عمره فَقَدَ بصره، فرجع إلى المحضرة لحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى القرارة سنـة 1943م فاستظهر القرآن بعد عام واحد.

التحق بمعهد الحياة بالقرارة، وكان مغرمـا بالأدب وحفظ الشعر، كما استطاع أن يحفظ الجامع الصحيح للربيع بن حبيب كاملا.

انتقل إلى تونس في 15 أكتوبر 1949م، والتحق بجامع الزيتونة بصفة حرَّة، فلازم الحلقات والمشايخ، إلى أن تخرَّج في علم التفسير، والأصول، والحديث، والفقه، والتجويد، واللغة العربية، فتحصلَّ على إجازة في التجويد من الشيخ علي تركي، وإجازة في التفسير من الشيخ الزغواني، وباقي الإجازات من الشيخ الفاضل بن عاشور.

أوتي حافظة قوية، إضافة إلى حفظه للقرآن الكريم، والجامع الصحيح، استطاع كذلك أن يحفظ كتاب بلوغ المرام، وجزءا من كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. و ثلاثة آلاف حديث.

رجع إلى مسقط رأسه سنة 1956م، فعيِّن معلِّما للقرآن والأخلاق بمدرسة الفتح، وشرع في إلقاء الدروس في مناسبات الأعراس والمآتم، اهتم بتثقيف المرأة وتربيتها باعتبارها أساس صلاح المجتمع، ففتحت له سنة 1957م دار خاصَّة لتعليم النساء أمور دينهنَّ.

استدعي للعضوية في هيئة العزابة في 1961م، كما تولَّى مسؤولية الوعظ والإرشاد بالمسجد، فكان عضدا للشيخ عبد الرحمن بكلي، ومن نشاطاته العلمية والاجتماعية: دعمه للبعثات العلمية الخاصَّة إلى معهد الحياة بالقرارة، والمساهمة الفعَّالة في بناء المساجد، مع إنشاء مكتبات للمطالعة بجوار كلٍّ منها، والسعي لتنظيم الأعراس الجماعية، وعقد ندوات لتكوين الوعاظ والمرشدين، والتكفُّل بالأرامل واليتامى والمعوزين.

ولم تثنه هذه المهام عن التأليف، فأثرى المكتبة الإسلامية بعدَّة عناوين، أبرزها: «النبراس في أحكام الحيض والنفاس»، «المرشد في الصلاة»، «الحقوق المتبادلة في الإسلام»، «الوقاية والعلاج»، «الموجز في الجنائز»، «المرشد في مناسك الحجِّ والعمرة»، ترجم بعضها إلى اللغة السواحلية، وطبع بزنجبار.

وافته المنية وهو في مكَّة المكرَّمة، يوم الأربعاء 20 رمضان 1417هـ الموافق 29 جانفي 1997م، ودفن بمقبرة المعلاَّة بمكَّة.

رحمه الله رحمةً واسعة، ووهب لنا أمثاله، وأمدَّ العاملين في سبيل الحقِّ وإصلاح المجتمع مددًا وصبرًا وأجرا.

المصدر: موقع مؤسسة المنار

مصطفى بن مسعود اعمارة

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى