من وحي القلمواحة المعرفة

عَلَم الجزائر يرفرف، وعِلْم الجزائر يهفهف

(جمعية التراث تتألَّق في المعرض الدولي للكتاب، بعُمان)

حبُّ الجزائر ليس شعاراتٍ تُقال، ولا أوهامًا تُكال؛

حبُّ الجزائر حقيقةٌ جذروها ضاربةٌ في القلب العاشق الولهان، وأغصانها ممتدة في الجوارح المحترقة المنطلقة؛

حبُّ الجزائر فكرٌ سديدٌ، وفعلٌ رشيدٌ، ومخاطرةٌ جريئةٌ، ومبادرةٌ عنيدةٌ.

في معرض الكتاب الدولي بعُمان تجتمع دولُ العالم كلُّها؛ وتلتقي الثقافات الكونية جميعُها؛ بلا إقصاءٍ ولا إلغاءٍ: من الهند إلى بروناي، ومن ألمانيا إلى كندا، ومن جنوب إفريقيا إلى إيران… وما بين ذلك كلُّ البلاد العربية والإسلامية بلا استثناءٍ؛ وهو مشهد عزَّ، وقلَّ له مثيلٌ؛ ولوحة فنية غلَت، وليس لها بين العالمين قبيلٌ.

لقد بدأت تجربة “جمعية التراث” في حضور معرض عُمان الدولي قبل أعوامٍ؛ ولقد وقف على رأسها رجلٌ جبلٌ، هو اليوم رئيسها المفدَّى؛ رجلٌ آمَن بالمستحيل، فزرع المعنى في أرض قفرٍ يبابٍ، ثم رعاه عبر السنين الطوال العِجاف، إلى أن آتت التجربة ثمارها، فصارت من الخير الذي يُشار إليه بالبَنان؛ وتحولت إلى مثال يحتذى، لا ينكر فضلها إلاَّ الغافل الوسنان.

أوَّل مشاركة لـ”جمعية التراث” – وكنت شاهدا عليها – بدأت بحمل نسخةٍ واحدةٍ من كلّ عنوانٍ، ثم في الجناح صُفّفت المنشورات والكتبُ إلى جوارِ بعضها، وشرع المشرفون عليها يبيعون بالاكتتاب، بيعا مؤجَّلا؛ فإذا ما واتت الفرصة لتوفير الكتاب أرسِل إلى الشاري، بعد أمدٍ من زمن المعرض؛ وإلاَّ أعيد له مالُه، مع الكلمة الطيبة والشكر الجزيل.

ثم إنَّ الجمعية اشترت يومها بعضَ ما نشر لها في خارج الوطن؛ من مثل “معجم أعلام الإباضية” الذي نشرته “دار الغرب الإسلامي” للمرحوم الحبيب اللمسي، ثم عرضته في جناح التراث، ومن عجبٍ أنه يباع هنا، وهو أقلُّ نفادا هنالك.

واليوم، وبعد زيارتي للمعرض؛ وعودتي إلى أرض وطني سالما غانما؛ أشهِد الله تعالى أنَّ “جمعية التراث” باتت واجهةً كاملة المعالم للجزائر، وأنَّ جهود القائمين عليها بلغت من الإتقان ما يستنزلون به رحمة الله تعالى، مصداقا لقول الحبيب المصطفى عليه السلام: “إنَّ الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدكم العمل أن يُتقنه”؛ بل إنهم سَموا إلى مقام الإحسان؛ ولقد قال جلَّ من قائل: “وأحسنوا إنَّ الله يحبُّ المحسنين”.

و”جمعية التراث” تعرض من الكتب العزيز والغزير، منه ما لم نره حتى في الجزائر؛ والعلَم الذي يرفرف في مدخل الجناح، يحكي ألف قصَّة وقصَّة؛ ويدعو القصيَّ قبل الدنيَّ إلى الافتخار؛ بخاصة أنَّ الجالية الجزائرية – من كل بقاع الجزائر – صار لها حضور في الجامعات، والمدارس، والإدارات، والجوامع، والمؤسسات…

حقَّ لنا أن نفتخر، وأن نسأل من الله تعالى المزيد؛ ووجب علينا أن نقول لمن قام على هذا الخير: كُفيت، وهُديت، ووُفيت، ووُقيت… فلقد واللهِ نقلتَ الحبَّ من القولِ إلى الفعلِ، وحملت المعنى من اللفظِ إلى المبنى، وحلَّقتَ بعلَم الجزائر عاليا هنالك في أرض عُمان؛ وليس أعظم من نشر الفكر السويّ، والتعريف بعلماء البلد الأبي، والإشادة بالعِلم الذي تعتصره العقول في الوطن الندي؛ ذلك أنَّ المادة تفنى، وأنَّ الفكر يبقى؛ وإلاَّ فكيف نفسّر أنَّ أسماءً، من خلال “جمعية التراث”، تصنع الحضور الفعَّال في معرض عمان، من أمثال: الوارجلاني، والقطب اطفيش، وابن نبي، ومحمد ناصر… وغيرهم كثير؛ وكذا تيماسين، ومزاب، وتلمسان، وعجاجة… وغيرها كثير.

هذه شهادتنا؛ وشهادة الله تعالى أعظم وأكرم؛ والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.

د. محمد باباعمي

معهد المناهج، الجزائر

15 شعبان 1444ه/8 مارس 2023م

————–

هفهف الشيء حركه ودفعه؛ والهفهاف من الأجنحة الخفيف للطيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى