أحباب رحلوا عنا

عزاء في وهران.. وفاة المرحوم الحاج إبراهيم عبد العزيز

سم الله الرحمن الرحيم

عزاء في وهران

( وفاة المرحوم الحاج إبراهيم عبد العزيز)

حين تفقد الأمَّة كبارها تهتزُّ عرصاتها؛ و كلَّما كان للمفقود شأنٌ و أثرٌ عظُم الأمرُ و احتدَّ الخطرُ؛ و لقد يكون المفقود صاحبَ علمٍ نافع، أو رأيٍ رافع، أو مالٍ شافع؛ أو ذرية صالحةٍ، أو سلطان مُقسطٍ.

في وهران، ظُهرَ الأربعاء الرابع عشر من رمضان، و في مقبرة “عين البيضاء”؛ التأم شمل الناس، القاصي منهم و الداني، في جمعٍ مهيبٍ غفيرٍ؛ ووري الترابَ رجلٌ، جمع الكثير من صفات الجلال و الجمال؛ فكان الحدث عبرةً أعظِم بها من عبرةٍ؛ بخاصَّة أنَّ المتوفى توسَّط التسعين في العمر بالحساب الميلادي، و شارف على المائة بالحساب الهجري؛ فصدق فيه قولُ ذي الجلال سبحانه، فيما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، في حديث صحيح عن رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من إجلال الله: إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم”؛ و كذا ما روته أمُّنا عائشة من قوله عليه السلام: “أنزلوا الناسَ منازلهم”.

توفي السيد الفاضل الحاج إبراهيم بن الحاج محمد من آل عبد العزيز؛ و خلُّف من الأولاد أربعة من الذكور (عمر، و أحمد، و صالح، و محمد كمال)، و من الإناث واحدة (عزيزة)؛ و هو من مواليد شهر جانفي 1929م؛ و لقد عُرف تاجرا في معسكر ثم في وهران، بل هو من كبار التجار، في بحر حياته؛ و له من الخلال ما نوَّه به معاشروه، و قالوا عنه و أوجزوا القول، منها :

– أنه دمِثُ الخلق، يألف الناس و يؤلف؛ جميلُ المعشر، معتدلُ الحال؛ دائمُ التفاؤل و الابتسام؛ لم يغره الرخاء بل زاده تواضعًا؛ و لم تغيره عوادي الزمان، بل زادته صلابةً.

– و هو صاحب رأيٍ، ثاقبِ النظر؛ عارفٍ بأحوال عصره، مدركٍ لأحوال مَصره؛ لا يبالغ في شيء، بل هو أميل إلى الاعتدال؛ لا شيء يؤذيه مثل كثرة القيل و القال؛ و لذا قيل عنه : “إنه كثير الصمت، دائم التأمُّل”.

– و هو صاحب تجارةٍ و مال وفير، بارك الله له فيه، فجمع بين ذات اليد و صلاح الولد؛ فخلَّف ذرية طيبة، لا يذكرها الناس إلاَّ بالخير؛ و لا يعرفون عنهم إلاَّ معاني الخير.

– و لقد كان – كما ذكره الواعظ في المقبرة و هو عارف بأسراره – حسن الإنفاق في سبل الخير؛ لا يردُّ طالبا لمشروع أو لحاجةٍ؛ و تشهد له بذلك المشاريع التي نفحها بما آتاه الله من مال.

و لقد أثَّر فيَ و في الحضور، الدموع التي سالت و ساحت على خدود أبنائه؛ ذلك أنهم أحسُّوا باليتم، و هم على كبر في العمر؛ و لقد ربَّاهم و أحسن تربيتهم، و كفاهم الفاقة و الحاجة، و علَّمهم قيم العمل، و لقَّنهم معنى الصبر في الحياة.

كما بكاه معاشروه بكاءً مُبرحا؛ و هذا و أيم الله دليل خيرٍ، و عنوان برٍّ؛ و لقد تقرر في كتاب ربنا أنَّ “كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعضٍ”؛ غير أنه تعالى استثنى منهم طائفةً و هم: “الذين آمنوا، و عملوا الصالحات”؛ و أخبرنا عزَّ من قائل أنهم قليلون، فقال : “و قليلٌ ما هم”.

رحم الله الفقيد، و أسكنه فسيح الجنان؛ و جعل مثواه الجنة، وأنزله منزلة الرضوان؛ و أخلفَ الأمة بمن يملأ ثغرها، و يعلّم جاهلها، و ينفع محتاجها، و يرحم صغيرها، و يوقر كبيرها، و يعلي ذكرها، و يرفع شأنها..

آمين يا رب العالمين.

د. محمد باباعمي

وهران، حي بلقايد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى