مرآة الصحافة

حلقة العَزَّابَة.. مؤسسة دينية عمرها 8 قرون

تُعَد حلقة العزابة في قرى واد مزاب إحدى أقدم المؤسسات الدينية في العالم أجمع، حيث تواصل عملها وعطائها طيلة ثمانية قرون متواصلة دون انقطاع، وقد أدرك المؤسّسون الأوائل من مشايخ المذهب الإباضي في واد ميزاب أنّ المجتمع الإباضي مجتمع مسجدي يعيش على هدي الكتاب والسُنَّة النّبويّة، فوضع الشيخ أبو عبد الله محمد الفرسطائي اللبنة الأولى في بناء حلقة العزابة مع تلميذَيه أبو الربيع سليمان بن يخلف وأبو الخطاب عبد السّلام منصور بن وزجون.

كانت حلقة العزابة في ذلك الحين حلقة دعوية تربوية تعليمية، ولم يكن لها مقر دائم، ولم تظهر الحلقة بالشكل المعروف حاليًا إلاّ في النّصف الأوّل من القرن السادس الهجري على يد الشيخ أبو عمار عبد الكافي، حيث ألّف كتاب سير أبي عمار الّذي تضمّن نظام حلقة العزابة المعروف حاليًا، منذ ذلك التاريخ مايزال نظام حلقة العزابة يسير على ذات الطريق الّتي رسمت له في هذه السير، وما يزال العمل بها جاري إلى اليوم بلا تبديل أو تغيير، ويتضمّن نظام حلقة العزابة كيفية انضمام العضو الجديد لحلقة العزابة ومهام حلقة العزابة وتكوين الحلقة الّتي تضُم في العادة إمام المسجد والمؤذن وغسال الموتى وشيخ الحلقة الّذي يوصف بـ”مفتي الديار” ويكون له باع في الفقه والشّريعة الإسلامية.

أهم مشايخ حلقة العزابة على الإطلاق: الشيخ عمّي سعيد الجربي، عاش في القرن العاشر الهجري، ثمّ الشيخ القطب طفيش رحمه الله، ثمّ الشيخ حموا بابا وموسى المتوفى في عام 1957م.

تتألّف حلقة العزّابة من إثني عشر عضوًا، هم: الإمام، المؤذن، ثلاثة لتحفيظ القرآن للصبيان في المحاضر، خمسة لغسل الموتى ووكيلان على مال المسجد.

ولحلقة العزّابة حق اختيار أعضائها بكل حرية، حيث يُختار من كلّ عشيرة أعلم وأورع وأصلح مَن في العشيرة، بشرط أن يكونوا متخرّجين من دار التلاميذ حفظة القرآن ”إرْوَانْ”، وتحرص الحلقة على نشر التآزر بين المسلمين والتضامن والاحترام الشّديد لشريعة الله والسُنّة النّبويّة، فكان أعضاء الحلقة حريصين كلّ الحرص على إلغاء مظاهر الطبقية بين أفراد المجتمع، كما سخّر المجتمع لحلقة العزابة وسائل للردع من أجل فرض النّظام الديني والأخلاقي على أفراد المجتمع، وأهمّها البراءة والهجران استنادًا للسُنّة النّبويّة الّتي طبّقت على الصحابة المخلّفين الثلاثة أثناء غزوة تبوك، ثمّ في بعض الحالات يمتنع أفراد حلقة العزابة عن الذهاب إلى عرس شخص لَم يلتزم بالضّوابط الدينية الّتي وضعت لتنظيم المجتمع أو مأتمه، وتُعَد هذه في عرف سكان قرى واد ميزاب من أشدّ العقوبات.

يحرص أفراد حلقة العزابة على مراقبة السُّلوك الاجتماعي للنّاس من خلال توحيد المعاملات التجارية والتّصدي للبدع والانحرافات الاجتماعية، وتوحيد الصداق عبر كلّ قرى واد ميزاب حيث لا تتعدّى قيمة الصداق بالنسبة للبكر 3 ملايين سنتيم وللثيب مليون ونصف وحتّى فراش العروس لا يجِب أن يختلف بين عرس وآخر، حيث يلتزم كلّ عريس بالنّظام، وأهم دور لحلقة العزابة هي نشر الفضيلة بين أفراد المجتمع ونظم التّكافل والتّضامن في السّرّاء والضّرّاء لدرجة أنّ الحلقة تحرِص على تضييق الفجوة بين الفقير والغني جمع التبرعات لصالح فقراء المسلمين والسّهر على حماية المجتمع من كلّ الانحرافات.

الأستاذ بابا وموسى بلقاسم

المقال منشور في يومية الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى