الحاج عمر بن صالح الشيخ صالح في ذمة الله

ببالغ الحزن والأسى نعينا يوم الجمعة 10 شعبان 1444هـ الموافق 03 مارس 2023م رحيل الأستاذ والمُربّي والشيخ الفاضل الحاج عمر الشيخ صالح وهو آخر عضو من أعضاء جمعية الإصلاح من عام 1966م قضى عمره في خدمة المجتمع والصالح العام في عشيرته وفي الجمعية وفي البلدة، رحل وألسنة الخلق تدعو له بالرحمة والرضوان.
الفقيد هو رئيس حلقة العزابة بمساجد الإصلاح وأقدم عضو في حلقة العزابة بالمسجد العتيق من مواليد 1926م بغرداية قضى حياته في خدمة المجتمع والصالح العام والتعليم وتربية الاجيال وكان نعم الرجل خلقا وأدبا.
نشهد لأستاذنا وشيخنا بالصلاح، رجل علم أنه سيموت، حنكة في الرأي، ثبات على الدين، استقامة، حفظ للأمانة، خدمة للعلم والعلماء، وحب أهل القرآن، عمارة بيوت الله، إصلاح ذات البين، مسؤول مقتدر يعمل بإخلاص وذو مواقف رجولية عند الشدائد، معتدل في إصلاح الأوضاع الاجتماعية، مراعاة القيم وثوابت المجتمع والوطن، وجهاده في رئاسة حلقة العزابة لجمعية الاصلاح منذ عقود وعدة مسؤوليات في المجتمع.
وبهذه الفاجعة الأليمة نتقدم ببالغ التعازي والمواساة لكافة أبنائه البررة صالح، عيسى، قاسم، مصطفى، وبناته وأحفاده وإخوانه وذويه ولعائله الشيخ صالح وعشيرة آت عبد الله وكل أعضاء جمعية الإصلاح، ولحلقة العزابة ومحبيه ولأحبابه في غرداية والجزائر، راجين لهم جميعا جميل الصبر وحسن السلوان وللمرحوم الرحمة والمغفرة.
أقيمت للفقيد جنازة مهيبة عصر يوم وفاته في مقبرة الشيخ بعيسى واعلوان بغرداية
إنا لله وانا اليه راجعون
عن صفحة أخبار غرداية -بتصرف-


سيرة ذاتية مختصرة للمرحوم
الشيخ صالح الحاج عمر بن صالح بن عمر، وأمه الواهج لالة بنت عمر، ولد خلال ديسمبر 1926م، بتغردايت.
دخل عام 1932م مع أول باكورة تلاميذ إلى مدرسة باييزي الابتدائية، التي افتتحتها جمعية الإصلاح.
وفي سنة 1933م سافر إلى مدينة عين البيضاء، حيث تجارة والده، وهناك جمع في تكوينه بين المدرسة الفرنسية وكتاتيب الزاوية التجانية، إلى سنة 1939م.
عاد إلى غرداية، والتحق بمدرسة الإصلاح، فختم القرآن الكريم على يد الشيخ مصباح بانوح بن الحاج أحمد.
في سنة 1942م، التحق بمدينة القرارة، والتحق بالبعثة البيوضية (داخلية الحياة)، وبها واصل مسيرته القرآنية، وأتم حفظ القرآن على يد الشيخ حميد أوجانة الحاج أحمد بن إبراهيم، المعروف بالإمام. انتظم إثرها ضمن طلبة معهد الحياة، وفي رحابه وبين شيوخه، وفي صدارتهم الشيخ إبراهيم بيوض والشيخ عدون، قضى أربع سنوات، وشارك بنشاط أدبي من النثر والشعر، لا يزال مخطوطا محفوظا في جريدة الشباب لطلبة المعهد، ومشاركات في “كشافة الجنوب”، التي أسَّسها الشيخ بيوض.
في سنة 1946م، تخرّج، ليدخل ميدان التجارة في مدينة عين البيضاء، وظل بها حتى استقلال الجزائر سنة 1962م.
عاد إلى مسقط رأسه، واشتغل بالتجارة مع أخيه الحاج أحمد، في نهج ابن رستم (أغلاد أجديد)، ولا يزال محلُّهما إلى الآن. وليواصل رسالته وينطلق في العمل الاجتماعي في شتى المجالات. ففي سبتمبر 1963م، اختير عضوا في حلقة العزابة بالمسجد العتيق، مع سبعة من إخوانه. ثم عضوا في مجلس عمي سعيد، منذ السبعينيات إلى أن أقعده الكَِبَر. ومنذ سنة 1981م، خطيب الجمعة بالمسجد العتيق إلى 1985م. ومعلم بمحضرة بلّحسن، يستظهر عنده الطلبة المقبلون على حفظ كتاب الله، وكذا عمّار مجالس القرآن بالمسجد.
في سنة 1983م، اختير ضمن الرعيل الأول لحلقة عزابة الإصلاح بغرداية، عند تأسيسها، نائبا لرئيسها الشيخ فخار حمو بن عمر. وفي سنة 2005م، تولى رئاستها بعد وفاة الشيخ فخار، وظل على سدتها راعيا أمينا إلى آخر حياته.
في سنة 2014م، أسندت إليه الرئاسة الشرفية للهيئة العليا لعزابة قصر غرداية، عند نشأتها.
في أوت سنة 1961م، عُيّن عضوا في مكتب جمعية الإصلاح. ومن سنة 1994م، أمين مالها، خلفا للشيخ مصباح بانوح حين أقعده الكبر. ثم اختير نائبا لرئيس الجمعية. وفي سنة 2011م، أسندت إليه رئاسة الجمعية الشرفية، بعد وفاة رئيسها أوعشت الحاج إدريس. ثم ضمن الأعضاء المؤسسين للهيئة العليا للتربية والتعليم، التي تحمل اليوم اسم «أكاديمية الإصلاح للتربية والتعليم».
ومنذ سنة 1989م، تولى رئاسة إدارة عشيرته آت عبد الله، مقصدا لأبنائها ومحط آمالهم، يحمل الكلّ ويرحم الضعيف ويأوي الأرملة والمسكين، ويشجع الشباب النابهين، ويفرح بنجاحهم ويشاركهم أنشطتهم على امتداد السنين.
وفي سنة 1989م، أسهم في إرساء دعائم هيئة إروان لجمعية الإصلاح، حين تأسيسها، عريفا للهيئة، يدعمها ويوجه نشاطها ويشجع أعضاءها، فحققت حضورا متميزا في النشاط المسجدي والاجتماعي، بخاصة في تربصات الصيف لتحفيظ القرآن.
توفي فجر يوم الجمعة 10 شعبان 1444هـ الموافق 03 مارس 2023م.
بارك الله عمره، فقد ناهز القرن من الزمان، جنديا مخلصا لخدمة الأمة في مختلف الهيئات.
حريص على متابعة نشاط جمعية الإصلاح وإنجازاتها، في مشاريع التعليم والمساجد، والأنشطة التربوية والشبانية. يسدي النصح ويبارك الجهود، ويشجع مبادرات العاملين، ويحفزهم للاستمرار، وعدم الانقطاع في الطريق.
شهد له الخاص والعام بالتواضع والإخلاص، فوضع الله له القبول في قلوب الناس. خلاصة خصاله أنه رجل ترجم الأقوال إلى أعمال، يوجز في الحديث، ويؤثر لغة الفعل والإنجاز، موفور الثمرات قليل العثرات، محبوب إلى كل الفئات والطبقات. جمع خلال المروؤة والحكمة والإخلاص والتضحية، فتمثلت في شخصه. عاش عفيف النفس حلو المعشر طيب اللسان متواضعا زاهدا، لم تفتنه الدنيا بالمناصب والمراتب والأموال والمتاع. مثال في القناعة والرضى، متفرغ للاستكثار مما عند الله.
له دور بارز في إصلاح ذات البين، بين الأفراد والجماعات، في البلدة وفي الشمال، حتى اشتهر محله التجاري بهذه المبرة، فأضحى مكتب وساطة وصلح، يقصده الخاص والعام لفض المنازعات واستيفاء الحقوق. تحول متجره إلى مقر لحل المشكلات وقضاء الحاجات، يقصده أهل البلدة؛ من إباضية ومالكية، وكانوا لحكمه مذعنين، وبحكمته موقنين. فاستطاع الجمع بين التجارتين في تناغم عجيب كسب القوت الحلال، والسعي ليوم المآل، جمع لا يفسره إلا إيمانه الصادق برسالته في الحياة.
وفي ميدان التجارة، مثال في النصح وصدق المعاملة، وإتقان العمل وجودة الإنتاج، فكان مقصد المتأنقين في اللباس وبخاصة في المناسبات والأعراس.
له عناية فائقة بالتاريخ وحفظ الأرشيف، وحرص بالغ على تسجيل الأحداث المحلية والوطنية في سجلات خاصة، تعد حلقة مهمة في تاريخنا المعاصر.
تغمده الله برحمته الواسعة
المصدر: أد. مصطفى باجو
من كلمة تأبينية في جنازة المرحوم (بتصرف)