شخصيات خالدة

الشيخ محمد مصباح.. شهيد المنبر

ولد المرحوم الحاج محمد بن حمو بن مسعود مصباح صبيحة 4 فيفري 1948م من أم كريمة معروفة لدى العام والخاص بقوة شخصيتها واعتزازها بنفسها وهي الفاضلة عائشة بنت ابراهيم تامثلت رحمها الله.

للمرحوم الحاج محمد مصباح 7 أولاد، 4 ذكور و3 إناث من زوجته الوفية راسنعامة مسعودة بنت ابراهيم حفظها الله تعالى.

تلقى دراسته الابتدائية بمدرسة الإصلاح القرآنية المصونة بغرداية، ومن بين أساتذته: الشيخ حمو فخار رحمه الله، وعمر راسنعامة وباحمد خطارة.

انتقل بعدها إلى القرارة سنة 1963م ليزاول دراسته بمعهد الحياة وكان يحفظ القرآن الكريم بمقبرة بابهون وذلك ببرج كان يجلس فيه وحده والله معه.

تخرج من معهد الحياة حاملا لكتاب الله بحفظ قل نظيره بين أقرانه آنذاك، إذ كان لا يعجزه غالبا أي سؤال يوجه إليه عن موضع كلمة أو آية في كتاب الله تعالى.

نجح في اجتياز امتحان الدخول إلى جامعة الجزائر بنجاح، لكن ظروفه المادية والعائلية حينها حالت دون دراسته بالجامعة آنذاك.

لم يثنه ذلك عن عزمه فكان عصاميا في تكوين شخصيته العلمية باقتنائه للكتب النفيسة والمفيدة ومزاحمة العلماء، فوفقه الله تعالى لما كان يصبو إليه وعلمه البيان وأتاه الحكمة وفصل الخطاب، فأصبح ممن صدق فيهم قوله تعالى: “يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”.

بدايته للتدريس كانت بالمدرسة الحرة بمدينة عين البيضاء، حيث درّس أيضا بالمدرسة الرسمية. وكان موفقا جدا إذ حقق نتائج هامة شهد لها العام والخاص، وكان معروفا بشخصيته البارزة وهيبته بين تلامذته وأقرانه ومعاشريه.

بعد رجوعه إلى مسقط رأسه، درّس بالمدرسة الابتدائية الرسمية عبد الحميد بن باديس ثم درّس سنة 1977م المساجين بمدرسة إعادة التربية وقد أهّل لهذا المنصب لصرامته وهيبته وتضحيته.

خلال ذلك كان يعمل ساعات إضافية ليعين نفسه على نوائب الزمان بشركة SAM لصنع الألبسة البلاستيكية للرضع، التي كان يديرها آنذاك أخوه الأكبر باحمد رحمه الله، فكانت التجربة خير زاد تزود بها ليخلف أخاه باحمد بعد وفاته رحمه الله.

استمر في مهمته تلك إلى غاية شهر ديسمبر 2003 حيث سلم زمام الشركة بأمانة إلى أبناء أخيه الأربعة حفظهم الله، بعد أن كفلهم في يتمهم فكان لهم نعم الأب والكفيل.

وخلال ذلك ومن حين لآخر كان يدرّس بمدرسة الإصلاح القرآن الكريم خلفا للمرحوم الشيخ سعيد كربوش عند مرضه وسفره، كما درّس أيضا بمتوسطة الإصلاح للبنات مادة التدبر لكتاب الله للسنة النهائية مدة عامين.

كان عضوا بارزا في عشيرته آت الحاج مسعود، إذا ساهم كثيرا في إصلاح ذات البين وفض النزاعات خاصة منها: عقوق الوالدين، الطلاق، المواريث.. حيث كانت العشائر الأخرى تستعين به أيضا لما يتمتع به من الحكمة والرزانة، بل حتى في فرنسا وكندا.

كان يتعهد أصدقاءه الذين درسوا معه بمعهد الحياة بالزيارة، يعقدون من حين لآخر لقاءات جماعية يحضرونها كلما سنحت لهم الفرصة ليناقشوا فيها ما استجد في الساحة المحلية والوطنية والعالمية أيضا، من بينهم نذكر: بابكر مسعود بن الحاج عيسى، بضليس بكير بن محمد، رمضان خضير بن إبراهيم، إمناسن محمد بن داود، بوعروة إبراهيم بن داود، حدبون صالح بن باحمد، نجار منصور بن سليمان.. إلخ.

كان عضوا بارزا في جمع التبرعات من شتى مدن الشمال الجزائري ومن المنطقة الصناعية بغرداية لصالح جمعية الإصلاح، نظرا لكونه من الأعضاء الأساسيين في إدارة الجمعية بتكليف من الشيخ حمو فخار رحمه الله، فكان انخراطه بحلقة العزابة لمساجد الاصلاح سنة 1992م مصلحا ومرشدا وإماما..

كان الشيخ محمد مصباح من بين المؤسسين للهيئة العليا للتعليم بجمعية الإصلاح في غرداية حيث تم فصل هذه الهيئة عن حلقة العزابة عام 2005.

كان من الأعضاء المواظبين دائما في الحراسة “محضرة عمور” فرقة سيدنا نوح.

كان الشيخ رحمه الله يقدم دروس الوعظ والإرشاد أينما حل وارتحل، وتمتاز دروسه القيمة بالوضوح والسلاسة والبساطة في آن واحد، وقد كان له تأثير كبير في الأوساط الشبابية والنسائية خاصة.

كانت للشيخ دروس في شتى مساجد بقاع الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، بل حتى خارج الوطن إذ كانت له رحلات للوعظ والإرشاد للجاليات المزابية والإسلامية في كثير من دول العالم، وقد كان آخرها بكندا شهر رمضان من عام 1425 هـ حيث ساهم في تأسيس أول مسجد ومدرسة قرآنية للإباضية في مدينة مونتريال، وكانت له دروس يومية طيلة الشهر الفضيل للنساء صباحا وللرجال مساء.

كان مرحا وحيويا خاصة خلال الرحلات التي تنظمها عشيرته أو مع أصدقائه بمشاركاته الفعالة في تنشيطها.

كان يهتم كثيرا بالأرشيف وتوثيق الفعاليات والرحلات بالمحاضر والصور التذكارية، فآلة التصوير لا تكاد تفارقه في حله وترحاله.

من أهم مميزاته التي جعلت مواعظه ونصائحه تنفذ إلى القلوب أنه كان حاملا لكتاب الله حفظا وتدبرا حتى لقب بشعراوي مزاب ولا فخر.

كان يربط دروسه دائما بأمثلة ونكت من الواقع، يوظفها في المكان المناسب دون تكلف، فهو ممن يتميز بالنكتة ويتذوقها ويحفظها بل ويصنعها أحيانا.

شديد التأثر عند سماعه عن بعض المخالفات لحدود الله، والتجاوزات لأعراف المجتمع، له عدة مواقف في تغيير المنكر ولا يخاف في ذلك لومة لائم.

يمتاز بفصاحة اللسان وحسن الإلقاء وقوة الإقناع، واشتهر بمواضيع هامة وحساسة كالخشوع في الصلاة، آفة التدخين، بر الوالدين.

كان حريصا جدا على الوفاء بالعهود والمواعيد.

كان مولعا جدا بالمطالعة، وخير دليل على ذلك مكتبته الزاخرة التي تركها وقفا لجمعية الإصلاح بعد وفاته.

كان كثيرا ما يسأل جماعة البلدة التي يزورها عن المواضيع المقترحة قبل إعطاء الدروس فأهل مكة أدرى بشعابها.

لا يستبد برأيه، وكثيرا ما كان يقصد أهل الشورى بحثا عن الرأي الأصوب في بعض المسائل، وكان دائما يقول قد تجد في النهر ما لا تجد في البحر.

كان مشتهرا بتدقيق الحسابات وتفصيلها، ومسارعا إلى إرجاع السلف وتسديد الديون العالقة، كما كان يحث الجميع على ذلك.

وفاته:

انتقل شهيد المنبر إلى رحمة الله يوم الاثنين 21 رمضان 1426هـ يوافقه 24 أكتوبر 2005م إثر حادث سيارة أجرة مؤلم في الطريق الوطني رقم 1 قبيل مدينة مجبر بولاية المدية ببضع كيلومترات، وراح معه جميع ركاب السيارة وهم سبعة رحمهم الله، حيث كانت السيارة متوجهة من مدينة الجلفة إلى العاصمة وهو في طريق الدعوة إلى الله، وقد كان المصلون في مسجد العاليا بالعاصمة بانتظاره ليتحفهم بمواعظه القيمة فإذا بهم يتفاجؤون بخبر وفاته رحمه الله، فصدق فيه قوله تعالى: “ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله” صدق الله العظيم. وقد كان آخر درس ألقاه الشيخ بمصلى مدينة الجلفة في موضوع بر الوالدين بعد صلاة العشاء في ليلة رمضانية.

حضر جنازته جمع غفير من المسلمين والأئمة والعلماء، ووري الثرى بمقبرة الشيخ بابا السعد بغرداية، جوار مسجد الإصلاح الذي كان يلقي فيه دروسه كل ليلة جمعة، ومن بين كلمات التأبين التي ألقيت حينها هذه القصيدة للشيخ باجو صالح رحمه الله رثاء له:

أي شمس بأفقنا خسفت بل …… أي بدر عن العيون توارى

ذاك مصباحنا انطفى وسط ليل …… مكفهر بأفقنا اكفهرارا

إنه الشمس إن دهتنا الليالي …… بسنا فكره تصير نهارا

أو توالت على الشباب دياج …… كان بالوعظ للشباب منارا

هو مصباحنا إذا اشتدت الظلمة …… والليل ضارب أسورا

قد قضى العمر وهو غض طري …… في سبيل الإله يدعو جهارا

هو شمس بعلمه ملأ المسجد …… فقها وحكمة أنوارا

عالم بالكتاب فقها وتفسيرا …… مبينا من آيه أسرارا

وهب الله للفقيد لسانا …… يستميل القلوب والأفكارا

بحديث مفصل سلسبيل …… كم دعا للهدى شبابا حيارى

راح يدعوهم وإن بفرنسا …… أو كندا مجشما أسفارا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى