همسات تربويةواحة المعرفة

ملمح مهم في تربية الأبناء

يملك بعض الناس من المثقّفين – هدانا الله وإياهم – فكرة غريبة بعض الشّيء، و مفادها أنّ الأب أو الأمّ أيّا كان مستواهم العلمي -أي الأكاديمي- أو المعرفي -أي الخبرة اليومية -، يظنّان أنّهما أصبحا مؤهّلين لحمل مسؤولية تربية الأبناء بمجرد عقد قرانهما أو إنجابهما لولدهما البكر، دون بذل أي جهد للتّعرّف على خفيات هذا التخصّص الخطير، ولا يخفى على أي طالب علم ما في هذا السّلوك من مخالفة لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلّم {إنّما العلم بالتّعلّم…} وليس بالتّزوّج أو التّعدد، وحين أُهملت هذه القاعدة -اليتيمة- أضحى الواقع المزري يبث لنا سلوكات فيها من التخلّف والردّاءة ما يجمع في ذهن الناظر لها مشاعر الاستغراب والاستغضاب.

والذي لفت انتباهي -حقيقة- في هذا الموضوع، كلمة تحذيريّة يستعملها الأبوان كثيرا وهي: (…لا تفعل ذلك وإلّا ستدخل النار…)، والغريب في الأمر أنّ أكثر المحذِّرين بهذه الطّريقة سيواجَهون بالعصيان في نهاية الأمر، والمشكلة الأكبر من ذلك، ما تتركه هذه الجملة من أثر خطير على عقيدة الابن… الذي ينشّأ منذ الصّغر على الخوف من النّار وليس الخوف من الله تعالى… فيكون فعله وتركه وإقباله وإدباره وطاعاته كلّها، إنما الباعث عليها والمحرّك لها هو ارتعاد فرائسه من قول الخطباء والوعّاظ وهم يصفون عاقبة الكذب مثلا أو الخيانة بأنّ صاحبها سوف يسحب على وجهه إلى جهنّم ثمّ يسمّر بمسامير من نار ويعلّق بسلاسل من حميم ثمّ يسجر ويقرض بمقاريض وكلاليب ويجلد بسياط من نار و… – نسأل الله السّلامة والعافية -، وفي هذا خلاف صريح للبّ التربية النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات، والذي كان أوّل ما يبدأ به هو تقريب الله وتحبيبه في القلوب، حتى إذا تمكن ذلك منها وأضحى سلوكا، كان المحبّ حينها تابعا لهوى المحبوب إن رغب أو رهب، ويكون بُعده عن الشيء واجتنابه غير متعلّق بالأغراض الحيوانية كترتّب العقاب عليه مثلا، بل بسبب أنّ حبيبه مبغض لذلك… وإنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع.

ففرق من يلقّن -وهو ناعم الأنامل- على كلمة: اترك فإنّ الله لا يحبّ ذلك، فهذا النوع وتلكم الطينة من الناس لن تحتاج لكي تزجره كثير مواعظ ووصايا لأنّك خاطبت قلبا يحسّ ولم تخاطب جسدا يبحث عن اللّذة ويفر من الألم، والفرق بين الطفلين جلي، أنّ الأوّل -المعلّم بالخطأ- إذا قيل له {ليس هناك عقاب} لن يتوانى في اقتحام ما نهي عنه وإن قرّعت سمعه بأنّ الله لا يحبّ ذلك والسّبب أنّ إلهه أصبح هو النار أو العقاب، بينما من كان من النوع الثاني، فلن يدّخر جهدا في ترك ما نهي عنه طالما أصبح قلبه شغوفا باتّباع هوى محبوبه… وعلى ضوء هذا نفهم جيّدا معنى قول رابعة العدوية (الّلهمّ إني لم أعبدك رغبة في جنّتك ولا خوفا من نارك… ولكنّي عبدتك لأنّك ربّ تستحقّ العبادة…) وما يزيدنا شوقا إلى تلك المعاني قول شيخ الدمشقيين -العارف بالله- الرفاعي:

أصبحت فيك كما أمسيت مكتئبا****ولم أقل أسفا يا أزمة انفرجي

عذّب بما شئت غير البعد عنك تجد*****أوفى حبيب بما تلقاه مبتهج

سليمان بن قاسم بكوش

المصدر: موقع كلية المنار للدراسات الإنسانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى