الدكتور محمد ناصر بوحجام في حوار لـ “أخباراليوم”

الثقافة الجزائرية مغيبة في الوطن العربي، “نتمنى أن تعيد تظاهرة تلمسان مكانة اللغة العربية في ظل موجة الأعراس الثقافية التي تحتضنها الجزائر وأبرزها تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وكذا الملتقيات الفكرية والأدبية التي تشهدها معظم ولايات الوطن، “أخباراليوم” التقت بأحد الشخصيات الأدبية في الجزائر، وهو الدكتور محمد ناصر بوحجام أستاذ الأدب العربي بجامعة باتنة ورئيس جمعية التراث بالإضافة إلى عدة مسؤوليات على عاتقه، مستفسرة عن مسائل الأدب الجزائري وواقع المنظومة التربوية على غرار التحولات التي يشهدها العالم، فأجابنا الدكتور بالأصالة والثوابت والمبادئ فلمسنا فيه حبه الشديد للشباب وحرصه على احتضانهم والتخطيط على مستقبلهم في هذا الحوار.
شاركتم مؤخرا في المعرض الدولي للكتاب بمسقط، فما هي انطباعاتكم عن هذا الحدث؟
أولا نشكركم على هذه الضيافة،ونتمنى لكم كل التوفيق والنجاح في مهمتكم خاصة في نشر الوعي والتعريف بالقضايا الإجتماعية والأدبية والسياسية ومواكبة الأحداث على العموم، أما بالنسبة للمعرض الدولي للكتاب بمسقط في طبعته السادسة عشر،فجمعية التراث تشارك للمرة الرابعة فيه والإنطباع الذي يمكن أخذه هو غياب الكتاب الجزائري في معرض مسقط الدولي يعني الدار الوحيدة التي ترفع العلم الوطني في هذا المعرض هي جمعية التراث لذا نرجو من دور النشر وخاصة وزارة الثقافة الإهتمام بهذا الموضوع فتشارك بنشر الكتب الجزائرية لأنني لاحظت فعلا الإهتمام العماني بالجزائر تاريخا وثقافة وسياسة واقتصادا وكل المجالات، ففي كل سنة ينتظرون دور النشر الجزائرية للإطلاع على واقع الثقافة الجزائرية لكن يصطدم العماني بغياب ذلك، والروح التي نلمسها عند العماني هي الحرص على توطيد العلاقة الثقافية والإقتصادية بين دولتي عمان والجزائر،والإقبال على جناح جمعية التراث كل عام وإلحاح العمانيين بالخصوص على مشاركة الجمعية تشجعنا كثيرا،بالإضافة إلى بعض الزوار من مختلف الدول العربية والإسلامية الشقيقة الذين يهتمون بالكتاب الجزائري فيطلبون منا المزيد من العناوين والمشاركات في دول أخرى.
أصدرتم العديد من الكتب مؤخرا،هل يمكن أن نعرف عن مؤلفاتكم أكثر؟
في الحقيقة فكرت في تقديم فكر العماء للأجيال الصاعدة حتى تؤخذ التجربة من هؤلاء العلماء في مجال التربية والتوعية ونشر الفكر الأصيل،فاخترت عنوان سلسلة من فكر العلماء العاملين حتى أفرق بين العالم الذي يعمل في الميدان تجد له آثارا في نفوس المجتمع وحتى بعد وفاته،وبين العالم الذي يتعلم لنفسه ويبقى منزويا في بيته ليس بالمجتمع شيئا فانتقيت مجموعة من العلماء فبدأت بأستاذي الشيخ محمد علي الدبوز الذي أكن له احترامي إذ أدين له في مجال التربية والتاريخ والتوعية ثم أردفت ذلك في كتاب ثاني للشيخ عبد الرحمان بكلي أيضا له دوره في الجانب الإجتماعي والديني والتربوي والتعليمي، إن شاء الله هناك مجموعة من العلماء في الأفق أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس،الشيخ بيوض،البشير الإبراهيمي،حمو فخار،مفدي زكرياء ومبارك الميلي وغيرهم،فركزت في هذه السلسلة على أفكار هؤلاء العلماء أنفسهم يعني أوردت أفكارهم و آراءهم وأقوالهم ثم علقت عليها واستنتجت بعض الأمور التي تفيد القارئ كذلك بعثت برسائل من خلال التعليق على أقوال العلماء للناشئة بالخصوص حتى تستفيد من هذه الأفكار والتجارب،وتزامن أيضا مع هذين الإصدارين كتاب ثالث بعنوان “محاضرات عن الثورة التحريرية” في الحقيقة درستها من الناحية الأدبية وليس من الناحية التاريخية، والكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات وأعمال شاركت بها في ملتقيات متعددة، ومن خلال هذا الإصدار أردت أن أضع الثورة التحريرية في مسارها الحقيقي أو بصيغة أخرى كيفية الإستفادة من الثورة الجزائرية بالنسبة للعمل المستقبلي وكذلك لتثبيت المبادئ التي من أجلها قامت الثورة والأهداف التي من أجلها تحركت،حتى نبقى أوفياء للأصول والمبادئ وأخذ العبرة من العمل النضالي المؤسس على قواعد صحيحة ومتينة لبناء الجزائر والعالم الإسلامي.
بعد رحيل العديد من الأدباء الجزائريين، كيف ترى إلى واقع الأدب الجزائري؟
لا أستطيع أن أقدم تقويما صحيحا لواقع الأدب الجزائري،إنما مستقبل الأدب ليس في الجزائر فقط بل حتى في العالم العربي كله يبدو أن هناك انحرافا عن أصول الكتابة الأدبية في الوقت الراهن خاصة الشباب،باستثناء بعض الأدباء الذين يلتزمون الكتابة الأدبية الأصيلة سواء من ناحية قواعد الكتابة الفنية أو من حيث الإرتباط بالأصول أو بالمجتمع أو فهم رسالة الأدب، حتى لا أكون متجنيا على الجميع هناك أسماء تنشط في الساحة الأدبية بقوة وكذلك تحاول أن تطور أدواتها الفنية وتحاول أن تكون أصيلة في كتابتها،لها رسالة في مهمتها الأدبية، لكن ينقص الكثير حتى نطور الكتابة الأدبية ونجعلها في الطريق القويم.
هل من خلال كثرة التظاهرات الثقافية والمهرجانات نفهم أن الأدب الجزائري في تطور؟
طبعا سنة التطور شيء لا نقاش فيه، فالتطور موجود هل إلى الأحسن؟ أم إلى الأسوأ؟ هذا الأمر يحتاج إلى مجال آخر لتقويم هذا التطور سلبا أو إيجابا،ولكن إذا نظرنا إلى التطور من حيث الكم نجد أن هناك للموضوع زاويتان،أما إذا نظرنا للأدب والحجم الذي يجب أن يلتف حوله الأدباء أو الكتاب نجد هناك تأخرا وتقهقرا ونقصا في الجانب العددي أو بالأحرى المهتمين بالأدب وقضاياه في تناقص بالنظر إلى التطور السكاني نجد أن النسبة ضئيلة،فنحن نطمح إلى أكثر من هذا،أما من ناحية النوعية نجد أيضا أن ما ينشر خاصة في مجال القصة والرواية يبدو حسب اعتقادي قليلا جدا،فالأدب في الجزائر يحتاج إلى معالجات ودراسة للعوامل التي أدت بالأدب أن لا يحظى بالإهتمام وقد نجد ربما أسباب ترجع إلى المبدع نفسه إمكاناته، ثقافته، رسالته وفهمه لها، وهناك أسباب تعود إلى المجتمع الذي لم يفهم الأدب ودوره وأهدافه وقيمته، وهناك أسباب أيضا ترجع إلى الموجهين أنفسهم بداية من الجهات الرسمية وكذلك القائمين على الشأن الثقافي على مختلف المستويات، فلم نجد ما نطمئن إليه حتى يبقى الأدب أدبا بمعنى الكلمة.
كيف ترى إلى تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية؟
بغض النظر عن برنامج التظاهرة وإمكانياتها المتوفرة، في الحقيقة هو حدث مهم جدا في تاريخ الجزائر فيكفي أن يربط الحدث بالإسلام فنقول تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية هذا في حد ذاته بعد يجب تثمينه، ثم اختيار تلمسان في حد نفسها لاحتضان التظاهرة هي مدينة يشهد عليها بالقيمة الحضارية والتاريخية وكذا العلمية على مختلف العصور والأطوار التي مرت عليها الجزائر فهذا البعد الكبير في هذه التظاهرة هو البعد الإسلامي شيء يثمن، ثم الإمكانيات المسخرة سواء المادية أو المعنوية وتنوع البرامج في هذه التظاهرة من إقامة مهرجانات وملتقيات وترميم بعض المعالم الأثرية وكذلك استضافة العديد من الشخصيات الأجنبية لزيارة الجزائر، بالإضافة إلى اللقاءات التي تجمع بين المفكرين والأدباء، وبين السياسيين والشعب، ورصد ميزانية ضخمة لطبع الكتب والآثار الفكرية لمختلف العلماء، كل هذا يعطي للتظاهرة قيمة ، فقط نرجو توجيه هذه التظاهرة في اتجاهها الصحيح ما يحافظ على الأصالة والقيم ويجب أن لا نبقى في مستوى التظاهرة لأجل التظاهرة بل يجب الخروج من هذا العرس الثقافي الإسلامي بالقيم التي تخدم الأصالة والفكر والثقافة وتخدم الشباب بوجه الخصوص الذي يحتاج منا إلى رعاية خاصة توجيها وتربية وغرس الإنتماء والحماسة للوطن وللإسلام والعروبة، بالمناسبة ليت تظاهرة تلمسان تكون فرصة لإرجاع مكانة اللغة العربية وقيمتها في نفوس أبناء الإسلام، وكذلك أن تحظى هذه اللغة بالعناية الكبيرة حتى نحافظ على أصالتنا وتراثنا وامتزاجنا الحضاري في المستقبل ونزاحم أيضا الصراع الحضاري والثقافي، وننتج فكرا أصيلا يضاف إلى الفكر السابق بالإضافة إلى تكوين الشباب لخدمة الوطن الجزائري والعالم الإسلامي ولاسيما الإنسانية كلها.
هل يمكن من خلال الأدب التأثير على مجريات الثورات الشعبية في الدول العربية؟
طبعا يمكن للأدب التأثير على الثورات الشعبية لأن الأدب رسالة، ألم يقل الشاعر مفدي زكرياء “رسالة الشعر في الدنيا مقدسة ***** لولا النبوءة لكان الشعر قرءانا” فما قام به الأدب في جميع الحضارات ليس فقط الإسلامية يثبت أن له دورا كبيرا في بناء الحضارة، فكيف بتغيير المجتمعات نحو الأحسن، بل في التاريخ الإنساني كله نجد أن الحضارات انطلقت بالأدب قبل أن تنتقل إلى العلم، ثم إذا أتينا للجزائر نلاحظ أن الشعر والأدب عموما ساهم في بث الحماسة لدى الشعب الجزائري والتعريف بالقضية الجزائرية وفي كسب التعاطف مع الثورة الجزائرية بدليل أن فرنسا أعدمت العديد من أدبائها بسبب كتاباتهم، ويعتبر مفدي زكرياء النموذج الواضح وهذا ما يعلمه الصغير والكبير أنه دخل السجن خمس مرات في حياته بسبب مواقفه الثورية والتي من بين وسائله الشعر، فالشعر يحدث ثورة فمحمود درويش مثلا أحد كبار شعراء القضية الفلسطينية كان لشعره دور كبير في تحريك دولاب الثورة ضد العدو الصهيوني، فالشعر ليس فقط لتحرير الوطن من الإستعمار بل حتى لتحرير الإنسان من الآفات الإجتماعية وأمور أخرى لجعله إنسانا مستقيما، فهناك الكثير من النماذج لعدة نتائج قام بها الأدب في سبيل تغيير الأوضاع للمجتمعات جميعها.
بمنظور الأدب والثقافة، هل هناك علاقة بين الجزائر وليبيا؟
أكيد توجد علاقة حميمية بين الجزائر وليبيا وهي فكرية بالدرجة الأولى إذ يربطهما الرباط الإسلامي والعربي وكذا الجوار والعادات والتقاليد المشتركة، والشعبان مندمجان فيما بينهما، وأدباء الجزائر يعرفون ليبيا والعكس صحيح، فبالإمكان وليس غريبا أن نجد الأدب قد تطرق لثورة التغيير بليبيا، فمثلا الدكتور محمد صالح ناصر كتب عن الثورات التي وقعت في الدول العربية ومنها ليبيا، وهذا مؤشر على أن الأدب الجزائري يخدم القضية الليبية والعكس صحيح أيضا، وحتى لو تصفحنا الصحف سنجد مقالات وقصائد نشرت للحديث عن الثورة بقطع النظر عن نتائجها، ولكن كثورة التغيير نجد لها صدى في الأدب الجزائري.
بحكم اهتمامكم بالتربية والتعليم، ما هو تقييمكم للمنظومة التربوية في الجزائر؟
أقول وبكل صراحة والمرارة تملأ قلوبنا أن المنظومة التربوية في الجزائر مريضة بأتم معنى الكلمة من المستوى الإبتدائي إلى الجامعي، فهي تحتاج إلى إعادة النظر وإلى ترميم وإيجاد مناهج وبرامج تخدم القيم التي يؤمن بها الشعب الجزائري المسلم، ووضع قواعد صلبة يبني عليها الفرد الجزائري المسلم صرحه حتى يبقى أصيلا، فما نشاهده من الانحرافات في المجتمع والخروج عن سواء الصراط في جميع الميادين فهي من منتجات المدرسة الجزائرية التي لا تكون الفرد أخلاقيا ولا تربويا ولا تعليميا، فهناك نقص كبير في وضع البرامج ونقص فادح في تكوين المواطن الصالح في هذا البلد، لذا نرجو إعادة النظر في المنظومة التربوية من أساسها إلى ما بعد التدرج، فالطلبة يعانون كثيرا في المراكز التكوينية والتعليمية من إيجاد الجو الملائم للتكوين علميا وأدبيا وأخلاقيا.
من خلال إجابتكم دكتور، نفهم أن الإصلاحات في المدرسة والجامعة الجزائريتين لم تؤتي ثمارها؟
أنا لا أقول أن الإصلاحات لم تؤتي ثمارها، بل مازالت بعيدة عن طموح الإنسان الذي يريد أن يكون فردا سويا في نشأته وتكوينه، وأن يكون فعلا يستطيع حمل الأمانة والراية في المستقبل، يعني بصيغة أخرى نحن بعيدون كل البعد عن الأهداف الحقيقية للتكوين، وهذا راجع إلى التقصير في وضع البرامج والمناهج، فالإصلاحات نسمع عنها كثيرا لكن بصراحة ما نعيشه في الجامعة خاصة يكشف لنا عن ثغرات كثيرة جدا تنبئ بأشياء لا تحمد عقباها في تكوين الفرد الجزائري.
هل لديكم نظرة استشرافية للجزائر في ظل العولمة؟
والله أنا أتفاءل خيرا أن تكون الجزائر مستقلة بفكرها وأصالتها وشخصيتها لأن المؤشرات التي نراها من خلال المواقف الجزائرية الثابتة في القضايا الكبيرة، وكذلك وقوفها ضد التبعية والإنهزامية وضد كل من يستولي على كبريائها وشؤونها فهذا مؤشر كبير على أن الجزائر سيكون لها دور كبير في المستقبل هذا من جهة، من جهة أخرى ما تزخر به الجزائر من طاقات فكرية بوجه الخصوص في جميع المجالات والكفاءات الموجودة في مختلف بقاع العالم جزائرية تكشف على أن الجزائر بعلمائها وفكرها ومناهجها، تستطيع الوقوف أمام العولمة، كذلك ما نشهده من القوة الذاتية التي يتمتع بها الشباب الجزائري وهذا دليل على أن الجزائر ستكون إن شاء الله في مأمن عن هجمة العولمة، شريطة التخطيط لذلك تخطيطا محكما ووضع برامج تنبع من واقع المجتمع الجزائري ثم الإهتمام الكامل للشباب باحتضانهم وتوجيههم بطرق سليمة، كل ذلك سيدفع بعجلة الوقوف أمام العولمة والهجمة الشرسة على الأصالة إن شاء الله حاجزا كبيرا في المستقبل.
هل من كلمة أخيرة تود قولها في ختام حوارنا؟
الكلمة التي أختم بها هذا الحوار الذي أرجو أننا قلنا فيه شيئا فيما يخدم الأصالة الجزائرية، أريد أن نرجع إلى مبادئنا وأصولنا وثوابتنا ونتحلى بالحكمة في التخطيط والتسيير وأن تكون العلاقات التي تربطنا جميعا علاقات حميمية وصادقة سواء بين السلطة والشعب في الجزائر أو بين الشركاء لبناء الجزائر من مختلف الأطياف السياسية والثقافية وغيرها، وكما أرجو من القائمين على النشاط الثقافي الإهتمام بنشر الثقافة الجزائرية الأصيلة لأننا لاحظنا ونحن نجوب بعض الأقطار العربية أن الثقافة الجزائرية مغيبة وغير معروفة بسبب الإنحصار وعدم التواصل في المعارض الدولية والملتقيات وتصدير الكتاب الجزائري إلى الخارج، فأرجو أن نتعاون جميعا على نشر الثقافة الجزائرية في الأوساط العالمية حتى يعرفنا غيرنا ويقدرنا قدرنا، وأقول أخيرا أرجو أن نتحلى بالصدق والإخلاص في خدمة هذا الوطن والإسلام والعربية التي أتمنى أن تنال حظها من العناية عند جميع شرائح المجتمع بدون استثناء حتى نرجع للجزائر أصالتها ونكون أوفياء لمبادئنا الدينية والوطنية والإجتماعية.
حوار: حمو أوجانه
مراسل يومية أخباراليوم
أجري الحوار يوم: 05 ماي 2011م