أنفاس قلم

أنفاس قلم (3): تحت ظلال البَركة… بِنيَّة العمل

البركة في معناها اللغوي تفيدُ النّماء وزيادة الخير كما يُمكن أن تحمِل دلالة السّعادة والحبور، وهي في نظري واحدةٌ من تلك المفاهيم -وما أكثرها- التي اعتدنا تداولها عبر ألسنتنا، وعلكها خلال مجالسنا في شكلها الابتدائي، الذي لم تطأه منّا أذرع الحفر والسّؤال عن ماهيّتها، ولا الاستقصاء عن أصلها ودلالتها، فكيف تتجلّى البركة في حياتنا؟

أوّل ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الموضوع أنّ البركةَ كلّّها تُنسب إلى الذّات الإلهية لا غير، فالحقّ تعالى هو الذي تبارك وحدهُ، وكلّ ما نُسب إليهِ فهو قد التمس من قبسِ هذه النّعمة، فيُقال عنهُ نتاجًا “مباركٌ”، ومصطلحُ “تباركَ” يسِمُ صاحبهُ بالعلّو والتقدّس والتمجّد، فكان استحالةً أن تجتمعَ هذه الصّفات في سواهُ جلّ وعلا، فهو الباسطُ للخير والمفيضُ للنّعم على سائر خلقهِ وعياله، والبركةُ بُعدٌ لا ماديّ يتجاوز الفهم المحدود للإنسان اختُصَّ به البارئ سُبحانهُ وتعالى، فانطلق العبادَ يسارعون في الدّعاء بالظّفر بها، ويتقرّبون بالطّاعات ليرتوا من معينهَا، كيف لا وقد أجزمت أبصارُهم وقلوبهم بعظمة هاته النّعمة، وقد تيقّنت أنفُسهم بأنّ النّماء والزيادة التي تُشرق بها أنوار البركة لا تقاسُ بمكيال الإنس ولا معايير الجنّ، بل ترقى فوق ذلك وتزيد، فهي فيض من رحمة الخالق على العباد، وغيثٌ من الجودِ من لدنهُ المنعمِ الجزيل، لا ترضى بدالا عن مقاييس إلهية تحدَّد بها وتُقاس…

فأبصِرْ، ترى التّاجر التّقي في فتحِه لدكّانه المتواضع يدعو للبركة في سِلعتهِ ومالهِ، وعايِنْ، تثْقف الأمّ تترجّى أن يبارك لها الله في فلذة كبدها وقرّة عينها وهي تحرّك يمناها ذهابًا ورواحًا فوق رحمهاَ المتنامي، واستمِع، يأتِك وضّاحًا مبينًا، كلمُ العالِم الزّاهد داعيًا أن يبارك له ربّ الأنام في عِلمه، ويَدُه لا تنفكّ تسعى من المحبرة إلى مكتوبهِ، وقِفْ أخي منزلة المتأمّل الحذق الفطِن، لتعيَ أنّ تفجّر الكنوز ووفرة الأموالِ وتعدّدُ وكثرة المأكل والمشرب… لا تعدوُ أن تكونَ بأسًا وشقاءً على أصحابِها إن هي لم تتّخذ من أنوار بركةِ الإلهِ سُترةً وغطاءً، وأن لا سبيلَ لاستدرارِ هذه النّعمة العظيمة سوى بصقل نفوسنَا وتتويجها بقلائد التّقى والصّلاح.

الّلهم بارك لنا في عُمرنا وأهلينا وعِلمنا وعَملنا ووقتنا ورزقنا، وبارك لنا يا ذا الجلال والإكرام في شهر القرآن إنّك أنت سميع الدّعاء- آمين.

عمر بن إبراهيم بوغالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى