من وحي القلمواحة المعرفة

تجربتي في فرنسا

أقبلت على رحلة إلى بلد غربي -فرنسا- لأول مرة في حياتي للعيش فيه مدة طويلة، فكان أول ما تأثرت به هو بعدي عن عائلتي ووطني، وكان كل همي أيضا وتفكيري كيف سأتأقلم مع المحيط الجديد؟ وكيف سأحافظ على ديني وإيماني ومبادئي في بلد كافر عدوه الأول هو الإسلام، وكيف أصمد أمام مبادئهم التي يفرضونها علينا كمسلمين.

أول شئ بدأت به هو تعلم اللغة الفرنسية في مدرسة خاصة، فهدفي الأول كان تحسين مستواي في اللغة، وثانيا وهو الأصل التمكن من المحاورة والمناقشة، فحمدا لله استطعت تحقيق ذلك بنسبة حسنة. ومن خلال احتكاكي مع هذا المجتمع أصبحت أقارن وأستنتج، فمثلا بعض السلبيات التي كنت أراها في مجتمعي انقلبت لدي إيجابيات وأيضا بعض الإيجابيات انقلبت إلى سلبيات، وهذا بعد نظرتي إليها من بعيد.

يتميز هذا المجتمع باهتمامهم الشديد بالعامل الزمني، فتجد الدقة في مواعيد لقاءاتهم ومواصلاتهم وبرامج مشاريعهم، العامل الذي ساهم بدجة كبيرة في تطورهم وتقدمهم في بعض مجالات الحياة، منها الثقافية، العلمية والتكنولوجية. النظام والاحترام عاملان يلقيان أيضا اهتماما فائقا، فمثلا في مستشفياتهم تجد المريض يحس بالأمان والراحة النفسية لأنه يحضى بالعناية الكاملة من قبَل الطبيب.

تجد أيضا -مما لاحظته في هذا المجتمع- تميزهم عن باقي مجتمعاتنا في نظرتهم للجانب التربوي، فهم يهتمون بنفسية الطفل بشكل كبير إلى حد إهمالهم الجانب الأخلاقي، فاهتمامهم  يبرز جليا من خلال الإستماع اليهم ومعاملتهم كالكبار، واستعمالهم فقط عبارات الشكر والاحترام والتقدير، بل وعبارات الاعتذار في حال الخطأ أوالاساءة اليهم، أما عن تأديب الطفل فوسيلة الضرب تكاد تكون منعدمة على عكس مجتمعاتنا.

لكن لا هذا  ولا ذلك هي الوسيلة الناجعة لتربية الطفل، فالإفراط في الضرب يجعل الطفل مهذبا فقط خوفا من والديه، والإفراط في عدم الضرب ومنحه الحرية المطلقة يشعره بعدم الأمان فيرى الضعف في والديه لأنهم  لا يستطيعون التحكم فيه .

خلاصة القول أن كل ما و صلوا اليه الآن من تطور ناتج عن العلم والعمل والجدية، و كل واحد يعمل في ميدانه وتخصصه.

لكن اهتمامهم الكبير بالعلم أوصلهم إلى أن الإنسان مادة، وأن تقييمهم له يكون بدرجة علمه فحسب ولايهمهم أخلاقه وسلوكه. أما الإسلام على العكس فيجمع بينها جميعا ويقدم الأخلاق على العلم، والأصل أنه كرم الإنسان أحسن تكريم بغض النظر عن جنسه ومستواه الفكري والاجتماعي فالله تعالى يقول في منزل تحكيمه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا)(70) سورة الإسراء.

علينا أن نعيد النظر في كل شئ، ولكن هذا لا يعني أن نتخلى عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا لكي نصبح مثلهم، كل ما هو مطلوب علينا هو الثبات على الأصول والمبادئ الاسلامية والعمل على التخطيط ووضع الأهداف والتطوير في الوسائل، وبإعمال عقولنا ومحاسبة ضمائرنا ونفوسنا والعيش تحت ظلال شرع الله، والاستشعار بعمق نعمة الإسلام، سنحقق التوازن في حياتنا ونربي جيلا ممكنا لدين الله، حاملا لراية الأمة الإسلامية، فالتغيير يبدأ من هنا.

فحمد لله ثمة أمل …

سمية بنت نور الدين باعلي

المصدر: فييكوس.نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى