تأملات وأفكارواحة المعرفة

تعلمت من مومباسا…

للتو؛ أكملت قراءة سطور رواية بعنوان “فسائل الحب” لكاتبها الشاب اليافع: “عمر بوغالي”… هرولت بعدها مباشرة نحو مذكرة المطالعة لأخط أول عبارة نسجتها مخيلتي … فكرة نيرة مضى كاتب الرواية ينثر عبير نسماتها في الفصول الثلاثة والعشرين للكتاب: “انتقل الخير من الجزائر ليحط رحاله بكينيا ويمتد عبقه إلى أستراليا”؛ تناولت الرواية قصة ثلاثة شبان جزائريين: “أحمد وجمال وآلاء” جمعهم درب العمل الصالح؛ وفكر الهم الواحد؛ ونية الإحسان الصادق؛ احترقت أفئدتهم… فانصهرت لذلك أفعالهم الحضارية التليدة؛ فانطلقوا من الجزائر نحو كينيا جادين مجدين صالحين ومصلحين غايتهم من ذلك الثواب ونيل رضا الرب لا غير… قصة الثلاثة مشوقة أحداثها تتشابك لتَبرُزَ للقارئ في صورة إبداعية ينسج القدر حلقاتها فتلتقي في نقطة اشتراك تصنع جمال الموقف ونسق الخالق في تقديره.

فكرة السياحة التطوعية أمر غائب جدا في بلداننا الإسلامية… من هنا كانت شرارة الاحتراق ومن ثمة فعل الانطلاق… ولعل الأهداف الظاهرة لهذه الرحلة الإيمانية هو نشر الخير ومساعدة المحتاجين؛ ولقد كان ذلك وهو بناء خمسة بيوت وثلاثة أقسام جديدة في المدرسة الابتدائية بالنسبة لأحمد وجمال؛ وتدريس ثلاثة وستين طالبا بالنسبة لآلاء طبعا مع مجموعة أخرى من الشباب… نعم هذا هو برنامج العمل الذي طرحته المؤسسة الدولية التطوع بكينيا… لكن قوة الخير لا تضعف؛ وطاقة الحب لا تزول؛ والإقبال نحو نشر السلام فطرة في نفوس البشر الأقوياء الذين وهبوا أنفسهم للخدمة وطاقاتهم لتشييد صرح الأمة… ف “أحمد” ­-علاوة على عمله- فقد نظم برنامجا خصيصا لتعليم ماما لينة قواعد النطق الصحيح للغة العربية ثم استبشر حين أصبحت ضمن قائمة المستفيدين من البيوت الخمسة التي تم بناؤها خلال الرحلة التطوعية؛ أما “آلاء” فكانت قد عملت -بمساعدة من أحمد وجمال- على لمّ شمل عائلة: “رامزاي بتركاي” التي تفرقت مذ ثماني سنوات؛ وجمالُ الأحداث حدد بؤرتها المتميزة “جمال” حيث كان السبب في إسلام الأسترالي “جون دنفي” البالغ من العمر ثمانية عشر عاما الذي التقاه في مهمة العمل المسندة إليه… فقالها بكل اقتناع: “أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله” فاهتزت لذلك السموات والأرضون وزيد اسمه مرصعا في ذاكرة التاريخ الإسلامية.

فلنتأمل جليا ونحلل توفيق الله البارز في صنع الخير وانسلاله دون توقف أو انقطاع … فمن مومباسا تعلمت:

  • كيف تتحد الخلائق من مختلف بقاع الأرض بعد إهمال الأجناس و الألوان والانتماءات… فالأهم من كل ذلك هو عمق الهدف وقداسة رباطه… الشعار في ذلك بأن: “العمل الحضاري الحق لا يهمه الزمان ولا المكان ولا محدودية الرقع الجغرافية ولا طبيعة وجنس الفرد المقدم له الخدمة”.
  • كيف أن رسالة خاتم الأنبياء ترحل إلى كل الأمكنة متيقنة بأن الإسلام سيسود ويرفعه أبطاله على مر الدهور…
  • كيف أن الأمة بحاجة إلى أناس (غرباء) يخدمونها يطمسون كل مكاناتهم ووظائفهم وحاجاتهم؛ فيتجهون إلى المحتاج يمسحون دمعه؛ ويسمعون أناته؛ ويقبلون جبينه… نعم ذاك هو الإنسان الجديد ذو القلب المفعم بالحب الذي تريده الحضارة.
  • قيمة الابتلاء وعمق حلاوته وأسرار تجلياته وذلك من أجمل عبارة تضمنها الكتاب حين ردت ماما لينة على أحمد بهذه العبارة: “الابتلاء نعمة من الله الكريم سبحانه وتعالى؛ فهو يكشف اللثام عن خبايا أعمالنا السيئة؛ ويمنحنا فرصة تقويمها قبل فوات الأوان؛ فأنا إذن يا بني أكثر حظا من كثير من الناس الذين أعمتهم غشاوة ترفهم عن محاسبة أنفسهم؛ وغرت بهم محاسن الدنيا الفانية” فاللهم ارزقنا حسن النظر إلى الأمور وعمق الفهم ودقة التفكير…
  • إدراك سلبية الإعلام في عرضه الدائم للحروب والمجازر في أركان العالم وعدم عرضه لمحاولات الشباب المحمدي في التقليص من ظواهر الفقر في العالم وصناعة الغد الجميل المثمر.

هكذا يصنع أبناء الإسلام تاريخ المجد العالمي بنفس الإرادة وروح القرآن؛ وهكذا ينتقلون في أنحاء المعمورة تاركين بصمة العطاء ملطخة بألوان  الحب والعطف والتعاون والرحمة… نعم مومباسا جعلتني أعيد كتابة وتلوين هذه الكلمات التي ذكرت في صفحات الكتاب: “الليل البهيم وإن طال…فلا بد من فجر سعيد سيرديه في طي النسيان”

فلة داود

قراءة حول رواية فسائل الحب لكاتبها عمر بوغالي؛ الطبعة الأولى: 1435هـ\ 2014م؛ الرواية تقف على قصة ثلاثة شبان شاركوا في مشروع خيري ضمن المؤسسة الدولية للتطوع بكينيا وكانت الوجهة بالتحديد إلى مومباسا.[1]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى